عندما تقرأ صفحات التاريخ، تكتشف أنك أمام واقع مماثل لما حدث فى الماضي، وكأنه يعيد نفسه لاسيما مع تماهى طريقة التفكير والعقلية الديكتاتورية الحاكمة للطواغيت والفراعنة، ذات الجينات المتشابهة، التى لا هم لها سوى البقاء على كرسى الحكم، حتى وإن لم تبقى شعوباً يحكمها هؤلاء الطواغيت.
فقد قلت قبل ذلك (مفيش حاجة ببلاش)، حيث أن الانقلاب العسكرى الذى قاده الجيش المصرى فى 3 يوليو الماضى، لم يكن من أجل عيون
المصريين الشرفاء، الذين خرجوا فى
مسرحية مدبرة ومتفق عليها فى 30 يونيو، وإنما لكل شىء ثمن، ذلك أن الجيش، لم ينقلب على الرئيس المنتخب، لكى يعود إلى ثكناته وكفى الله المؤمنين القتال من أجل هذا الشعب العظيم.
ما يهمنى فى الأمر تسليط الضوء على عقلية أى قائد لانقلاب عسكري، على أي رئيس مدني عندما يهيم شوقاً إلى كرسى الحكم، وظهور نوازع حب السلطة والعرش لديه ، ففى سوريا قام اللواء حافظ
الأسد، وزير الدفاع بانقلابٍ عسكري على الرئيس أحمد نور الدين الأتاسى، وصلاح جديد الأمين العام المساعد لحزب البعث العربى الإشتراكى الحاكم فى 16 نوفمبر 1970، فيما عرف وقتها بالحركة التصحيحة، على إثر خلافات على تدخل الجيش السورى بقيادة الأسد فى الشأن السياسى ليس مجال ذكرها الآن.
إذ ما يهمنا هنا، أن حافظ الأسد تدخل فى السياسة متجاوزاً دوره الرئيسى فى حماية الحدود، على حساب حزب البعث الحاكم، ورئيس البلاد المدعوم منهما ، لكنها المصالح والصراع على السلطة كاملةً، جيش ورئاسة وحزب ومفيش حاجة ببلاش ، فقد خرجت المسيرات والجماهير (الغفيرة)، تطالب الأسد على طريقة (تفويض السيسى فى مصر)، كعادة كل الأنظمة الديكتاتورية، فيما تولى الأسد رئاسة الوزراء فى 21 نوفمبر، وبعد 5 أيام من انقلابه علاوة على منصبه الأصلى، وزيراً للدفاع، بعدما قام بتنصيب رئيساً ديكورياً اسمه ( أحمد حسن الخطيب)، لحبك المسرحية، وانبرت الحملات الإعلامية والصحفية والإذاعية، (على طريقة كمل جميلك فى مصر).
فى ممارسة النفاق السياسى باتجاه دفع الجنرال المنقذ، وحثه على تولى رئاسة الجمهورية، وبالطبع دون انتخابات أو أى آلية ديمقراطية، كانت معطلة وغائبة فى بلداننا العربية آنذاك، إذ كانت الإذاعة السورية الموجهة تذيع أغنية ( تسلم يداك يا معلم .. قود السفينة يا معلم)، على طريقة (تسلم الأيادى فى مصر)، مما اضطره (أى حافظ الأسد )، إلى النزول على الرغبة الشعبية الجارفة، وقبول تكليف الشعب له فى 22 فبراير 1971، ليثبت رسمياً فى الحكم فى 12 مارس من العام نفسه.
وكأننا أمام
مشهد مسرحى مماثل للمؤلف نفسه، والمخرج مع اختلاف بسيط، لا يغير من الجوهر شيئاً، وهو أن جنرال مصر سيخوض انتخابات رئاسية (ديكورية)، ليظهر أمام العالم والغرب على وجه الخصوص، وكأننا إزاء ممارسة ديمقراطية حقيقية ، إلا أن الواقع يكشف أننا أمام مباراة من طرفٍ واحد، اللاعب والحكم والخصم من الفريق نفسه، ما يجعل النتيجة محسومة ومعروفة مسبقاً.
بعد هذه الصورة المقاربة لتاريخ بات يعيد نفسه، بل يفرض هواجسه وتبعاته بشدة ، يطرأ سؤالاً هاماً وجوهرياً، لتشخيص الحالة المصرية الراهنة، وتشريح الذات أو بالأحرى الذهنية العربية الشعبية، فيما يتعلق بمدى تكرار تجربة حافظ الأسد السورية فى مصر، بعد أكثر من أربعين عاماً، مع تغير اجتماعى وزمنى ربما تجاوزت فيه العقلية الجمعية للشعوب العربية، حاجز الخوف وخرجت عن طوق الانقياد لمشيئة الزعيم والقائد الملهم، فى ظل ما نعيشه من ثورات الربيع العربي.
التى أٌريد لها أن تتحول إلى خريف كئيب، نختار فيه قسرا ومضطرين بين استقرار الجسد الميت على أيدى طغاةٍ مستبدين، نعيش كالأنعام نأكل ونشرب ما ينعمون به علينا كعبيد عند الأسياد، أو العيش فى حرية وكرامة، يشعر فيها المرء بإنسانيته وآدميته، حتى لو أكل من ورق الشجر كمواطنين حقيقيين على أرض وطنٍ نملكه جميعاً.
الإجابة سيجيب عليها الشعب المصرى الصامد فى الشوارع والميادين، رغم كل الجروح والآلام والتضحيات، حتى وإن تأخر النصر لسنوات وسنوات، وبناءً عليه سيسير الشعب العربى .