يُثار في
الكويت جدل صاخب حول الاتفاقية الأمنية
الخليجية التي رفضتها عندما تمت مناقشتها بين دول مجلس التعاون في عام 1994 لما قيل إنه تعارض لبعض بنود الاتفاقية مع دستور وقوانين دولة الكويت.
ولم تعرض الحكومة الكويتية في حينه الاتفاقية على مجلس الأمة الجديد يومها الذي تم انتخابه بعد تحرير دولة الكويت. واليوم لا يبدو أنه قد تغير شيء!وقد وافق وزراء داخلية دول مجلس التعاون على الاتفاقية الأمنية الخليجية في 13 نوفمبر 2012 في الرياض.
ووافق قادة دول المجلس على الاتفاقية الأمنية في القمة الخليجية الثالثة والثلاثين التي عُقدت في المنامة في 24-25 ديسمبر 2012. وصدر في 5 أبريل 2013 مرسوم أميري رقم 95 بإحالة مشروع قانون لـ«الموافقة على الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية».
ويشترط دستور دولة الكويت حتى تكون الاتفاقية ملزمة أن يصادق مجلس الأمة عليها. وتنص المادة 70 من الدستور على الآتي:
«يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فوراً مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية».ولكن على رغم تأكيد الاتفاقية الأمنية بصيغتها المعدلة في مادتها الأولى أن «التعاون بين الدول أطراف الاتفاقية يكون وفق تشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية»، إلا أن الجدل والنقاش عاد مجدداً في الكويت حول أبعاد ومدى تطابق الاتفاقية الأمنية الخليجية مع دستور دولة الكويت والقوانين المحلية.
ولعل مما يثير الجدل في الكويت بشأن بعض بنود الاتفاقية ما يسوقه المنتقدون عن مساس بعض بنودها بسيادة دولة الكويت، ويزعمون أنها تحتوي على بنود غير واضحة وقابلة لتفسيرات متعددة، مع عدم وجود آلية منضبطة لتحديد المعنى الدقيق.ولكن أخطر اتهام ساقه بعض الأطراف السياسية المنتقدة حول الاتفاقية الأمنية الخليجية هو قولهم إن «إقرار الاتفاقية الأمنية بوضعها الحالي يُشكل خرقاً جسيماً للدستور، وتعدياً على بنوده وخاصة المواد 31 و34 و46».
كما أصدر آخرون بياناً في 16 فبراير 2014 يستشهد بالمادة الأولى من الدستور التي تقول إن «الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة ولا يجوز النزول عن، أو التخلي عن أي جزء من أراضيها..». مشيرين إلى ما يعتبرونه تعارضاً لبعض بنود الاتفاقية الأمنية الخليجية مع مواد كفلها الدستور الكويتي.
وقدم هؤلاء ما يعتبرونه دليلاً على ذلك وخاصة المادة 2 من الاتفاقية الأمنية الخليجية «تتعاون الدول الأطراف فيما بينها، لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام، أو المطلوبين من الدول الأطراف، أياً كانت جنسياتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم». وأضيف إلى ذلك أن المادة 46 من الدستور الكويتي تؤكد أن «تسليم اللاجئين السياسيين محظور» كما تُؤكد المادة 34 من الدستور الكويتي أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع».
أما المادة 6 من الاتفاقية الأمنية فقد أشارت إلى ما يلي: «تعمل الدول الأطراف قدر الإمكان على تبادل المعلومات وتوحيد القوانين والأنظمة بما يكفل مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وأنواعها وتبادل القوانين والأنظمة وتقديم التسهيلات اللازمة وإنشاء مراكز أمنية متخصصة، وتزويد الدول الأطراف ببرامج المؤتمرات والندوات، ودعم الأجهزة الأمنية بأحدث التقنيات وعقد اللقاءات الدورية».
أما المادة 4 فتطالب الدول الأطراف في الاتفاقية بإحاطة الأطراف الأخرى عند الطلب بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة أو المقيمين بها في مجال اختصاصات وزارة الداخلية.ويقول بعض الخبراء الدستوريين في الكويت إن هذه المواد تتعارض بشكل واضح مع الدستور الكويتي، لسماحها للأجهزة الأمنية للدول الأخرى بالإطلاع على بيانات المواطنين والمقيمين الشخصية.
وهذا يخالف ما كفله الدستور الكويتي من حقوق، وكذلك قوانين دولة الكويت. وهو ما أكدته -في زعمهم- أحكام المحكمة الدستورية الكويتية في أكثر من حكم لها.
واعتبرتها من الخصوصية ولا يسمح بالاطلاع عليها أو المساس بها، وكذلك يقولون إن ذلك يخالف نص المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى.كما أن الاتفاقية الأمنية الخليجية تتحدث في بنودها عن التعاون بين الدول أطراف الاتفاقية، وعن الجريمة دون أن توضح ما هي هذه الجريمة.
وكذلك في نص المادة 14 الفقرة ب: «يجوز لدوريات المطاردة البحرية اجتياز الحدود حتى نقطة تلاقي الدوريات بحراً، والتي يتفق عليها بين الدولتين المتجاورتين... وتتولى دوريات الدولة التي دخل المطارَدون حدودها بعد إبلاغها بذلك مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم وتسليمهم وجميع ما في حوزتهم ووسائل نقلهم إلى أقرب مركز أو دورية تابعة للدولة التي بدأت المطاردة في إقليمها».
وهذا البند أيضاً يتعارض مع الدستور الكويتي من وجهة نظر المنتقدين.
ولذلك، حسناً فعل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بنزع فتيل خلاف كبير في الكويت حول دستورية الاتفاقية الأمنية الخليجية حيث أعلن في 16 فبراير 2014 التريث وعدم الاستعجال في اتخاذ قرار في هذا الموضوع خلال دور الانعقاد الحالي.. وهو طرح يمثل رأي أغلبية النواب، وذلك لدراسة جميع الجوانب الدستورية والقانونية والسياسية قبل اتخاذ أي قرار.
وسيتم عرض الاتفاقية على لجنة من الخبراء الدستوريين لتحضير مذكرة حول الاتفاقية الأمنية الخليجية، وسيتم توزيعها على النواب. وكان ملفتاً تأكيده أن الحكومة الكويتية لا تمارس ضغطاً على مجلس الأمة للاستعجال في التصويت على الاتفاقية.
وهكذا تأجلت مصادقة مجلس الأمة في الكويت، من عدمها، على الاتفاقية الأمنية الخليجية حتى عام 2015. وبالتالي قد لا تكون دولة الكويت من ضمن الدول المصادقة على الاتفاقية.
وتنص المادة 20 من الاتفاقية على الآتي: «تدخل حيز النفاذ بعد مضى ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع وثائق تصديق ثلثي الدول الموقعة». وحتى اليوم نصف الدول الأعضاء في المجلس لم تصادق على الاتفاقية الأمنية الخليجية.وفي المقابل هناك تباين حاد في الكويت حول الاتفاقية الأمنية الخليجية كما كان عليه الحال قبل عشرين عاماً، وهذا أمر صحي. ودائماً ما كان هناك نقاش بين الأمن من جهة وحماية الحقوق والحريات والخصوصية الفردية.
(عن صحيفة الاتحاد 3 آذار/ مارس 2014)
وحتى في أميركا يثار جدل حول ثنائية الأمن والحريات. وفي الذهن هنا قانون «الوطني» في أميركا ما بعد 11 سبتمبر والتجسس والتنصت على الأميركيين وخرق حقوقهم وخصوصيتهم عبر ما كشفه عميل الاستخبارات الأميركي «سنودن»، وكذلك التجاوزات والتعذيب في معتقل جوانتانامو في كوبا، واستهداف مواطنين أميركيين واغتيالهم باسم الأمن كما حصل مع أنور العولقي في اليمن، وكلها تشكل أكبر أدلة على الخروقات والتجاوزات على الحقوق والخصوصية التي قد تقع باسم الأمن.?