أيْ "بنان"! لا تتردّدي يا ابنتي في لثم جبينه، أو أنْ تتخضّبَ كفّاكِ ووجنتاكِ من دمه الزّاكي... تحسّسيه، شمّيه، قبّليه، ضُمّيه، تنفّسي عبيرَه ومسكَه فهو شقيق الروح والدّم، ودّعيه يا ابنتي وحمّليه السلام "لذراع" أبيك التي سبقته للجنة، فوصوله لها عند الرحمن كان أسرع من أنْ يصل لأبيه في عزْله! وهناك سينعُم ببعض حضنٍ حُرِم حنانَ ضمّته مذ كان في العاشرة...
لا تتركي رسالةً أو نبضاً أو خفقاً أو عشقاً أو لهفةً إلا ومزجتِها بدمه فسيصل منك للحبيب رغم القضبان والسّجان والعزل، بل رغم الخذلان من "رفاق" الوطن.
وأنتَ يا "أبا العبد" قد نلتَ بعض ما أردتَ، فبعد أن سقطَتْ منك الذّراع مستعجلةً مقعدَها في الفردوس الأعلى لتحجز لك مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر يليق بك في عليين – إن شاء الله، ها هو "حمزة" الشبل ابنُ الأسد واحدٌ من "راياتِك" الخفاقة، يرتقي بجنب ذراعك ليُقبّلها هناك في علياء القدر بعد أن عجز عن ذلك هنا في دنيا البشر .
فلا تبتئس سيّدي! أليس هذا ما ربيّته عليه؟! أليس هذا ما أوصيتَ به الشريكة أن تستمرّ معه ومع إخوانه عليه؟! سيّدي ليس لمثلي أن يقول لك: لا تبتئس! فأنت من يعلّم الدّنيا ألاّ تبتئس..
سيّدي"جمال"، يا جميل الخَلق والخُلق والقلب والرّوح قد نلتَ وعائلتُك في الدّنيا شرفاً لا يضاهيك فيه أحد، فها هو اسم "أبو الهيجا" يتردّد على كل لسان في طول الأمّة وعرضها من طنجة إلى جاكرتا، بل على كل لسان لا يعرف العربية ولا يعرف أين
فلسطين! فإن عزَلوكَ في سجن ضيّق، فقد فتح الله لك ولذكرك الكون كلّه.
أمّا في عليّين، هناك حيث لا سجن ولا سجّان ولا عميل أو جاسوس يَشِي "بحمزة" وإخوانه، هناك حيث حواصل الطّير الخضر، هناك حيث، ظِّل عرش الرحمن.. هناك ينتظرك "حمزة" رافعاً ذراعَك شهادةً لك بأنّك حيٌّ شهيد!! فابنك شهيد وبعضُك شهيد وأهلُ السماء يشهدون أنّك شهيد... وكلُّ حرّ في هذا الكون على ذلك شهيد.
سيّدي "أبا عبدالسلام".. اُرقد في سلام؛ فرايتك ما زالت خفّاقة حتى وإن كنتَ خلف القضبان؛ فعبد السلام وعاصم وعماد الدين وبنان أخت الرّجال.. ومعهم كل شباب فلسطين الأحرار سيكملون خلف "حمزة" المشوار.. وهاهي الضفّة تنتفض من جديد رغم الحواجز والجدار والمغتصبات والمغتصبين وآلاف القادة الأسرى، ورغم "المنسّقين" مع عدوّهم ليخنقوا كلّ نفَسٍ حرّ.
وأنت أيتها السنديانة التي ما هدّها اعتقال زوجٍ و أبناء أو استشهاد ابن أو زلزلها أسْرٌ أو مرض... أنت بطلة الملحمة "الجِنينية"، أنت سلاح آل الهيجا كي يسعوا للهيجا بأمضى سلاح! أنت العزيمة التي يستمدون منها الضياء، أنت من سربل هذا البيت الكريم بالصمود الذي لا يعرف الانحناءة للعاصفة أو إعصار ..
ياسيدةَ كلّ السيّدات!! ستبقى صورتُكِ فوق جسد "حمزة" الطاهر شاهدا يذكر العالم أن أهل فلسطين يفتدونها بمُهجِ الأرواح وفلذات الأكباد؛ حتى وإنْ خذلها الشقيق بحصار، أو خانها بعض من ينتسبون إليها "بتنسيق أمني" يلاحق الأحرار .
سيّدتي "أمَّ العبد".. تسعُ مؤبّدات لشريك النضال في الحياة لم تفتّ في عضدك المنخور بالسرطان، وثلاثة من فلذات الأكباد خلف القضبان رغم نار فراقهم تأكل الحشى إلا أنك بقيت زيتونة لا شرقية ولا غربية، وها هو رابعهم يُعدم جريحاً بدمٍ بارد بعد أنْ صمد ببندقيته المقدّسة أمام جحافل العدو الصهيوني.. فهل تلينُ قناتُكِ؟!
سيّدتي... لـملمي "جراحنا " فيكم آل الهيجا... وجففي دموع "بنان" الزكية، فالفرج قريب والنصر أقرب ممّا يتخيّل المتخاذلون أو يظن المتآمرون..
آخر الكلام في هذا المقام، ما قاله الصديق عبد الله السعافين يخاطب القائدَ الكبير :
القائدَ الأسيرَ
جمال أبو الهيجا: لن يداهمَ جواسيسُ السلطةِ منزلَكم بعد اليوم. فحمزة تركهم ومضى!