كتب محمد كريشان: في الوقت الذي لزمت فيه السلطات
المصرية صمت المحرَج على أحكام الإعدام بالجملة الذي أصدرها
قاض لم يعرف سوى بكل ما هو عجيب وغريب ، انبرى البعض في مصر إلى تبرير ما لا يمكن تبريره.
أحدهم وهو نائب رئيس وزراء سابق قال إن االجرائم التي ارتكبت في حق الوطن تستحق الشدة في المواجهة القانونية وإحالة القضايا إلى القضاء العسكري (…) وجميع المنتمين لجماعة
الإخوان المسلمين تجب إحالتهم للقضاء العسكري الذي يراعي القانون ويضمن الحسم والسرعة في النظر في القضايا التي تعرض عليهب. لم يكتف السيد علي السلمي بهذا التحريض على المضي قدما في هذا النوع من المحاكمات الانتقامية والأحكام المرتجلة بل انتقد أيضا المنظمات الحقوقية المصرية التي عارضتها واصفا إيــاها بأنها امنظمات تدافع عن لقمة عيشهاب وانتقاداتها لأحكام القضاء تأتي برأيه اضمن عمليات مدفوعة من الخارجب.
التبرير السياسي لهذه الأحكام، على شاكلة ما قاله المسؤول المصري السابق، يبدو أسوأ من الأحكام نفسها مع وجود تبرير آخر أكثر انحدارا كذاك الذي أورده مسؤول قضائي متورط في القضية، اشترط عدم الكشف عن هويته، لوكالة أسوشيتد برس قائلا: انحن في ظروف استثنائية، ليس لدينا الوقت لاستدعاء كل متهم ومحاميهب مضيفا بلهجة متوعدة االآن لا أحد يجرؤ على التفكير في مهاجمة مركز للشرطة أو مؤسسة للدولة بعد أن رأوا عقوبات الموت تقع على رؤوس جماعتهم.
إنه الترهيب إذن حتى يقرأ الجميع ألف حساب لمعارضة حكام مصر الجدد لأنه حتى لو افترضنا أن على العدالة أن تأخذ مجراها في مصر بكل قوة غير عابئة بردود الفعل الغاضبة أو المستهجنة داخليا أو خارجيا، فإن الحكم على أكثر من خمسمئة شخص بالإعدام بتهمة قتل ضابط شرطة يعد مفارقة رهيبة أمام حقيقة أنه لا توجد محكمة مصرية واحدة استجوبت إلى حد الآن ضابط شرطة واحدا على قتل ما يزيد عن ألف من المتظاهرين منذ الفض الدموي لاعتصام رابعة العدوية في تموز/ يوليو الماضي.
واضح الآن أن القبضة الحديدية للماسكين الجدد بدفة الأمور في مصر تزداد شدة وقسوة فلم يعد هناك مجال لإبداء رأي خارج الجوقة السائدة ومن يتجرأ على ذلك ولو على استحياء يتعرض لحملة ترهيب تصل حد الاغتيال المعنوي تشارك فيها آلة إعلامية تضبط إيقاع أغلبها أجهزة الأمن والمخابرات العسكرية قبل المدنية. والآن ها هو االقضاء الشامخب الذي يفتخر به المصريون يُـــزج به بضراوة ليصبح أحد أدوات تصفية خصم سياسي سبق أن رشحته صناديق الاقتراع ليتصدر المشهد السياسي قبل الإنقضاض عليه وعلى إرادة من أتوا به.
ورغم كل الأخطاء الصغيرة قبل الكبيرة التي ارتكبها الإخوان في فترة حكمهم، معطوف عليها انعدام خبرتهم في الحكم وبعض الصلف في تسييره، ومع عدم تجاهل ما كانوا يتعرضون له من االدولة العميقةب من عراقيل وتسفيه، فإن المنطق الإستئصالي المتسيد في مصر الآن والمطوِّع لكل الأجهزة لمحاربة اجماعة إرهابيةب ليس هو الحل الأمثل لإدارة أي صراع سياسي بل إن مفعوله العكسي وآثاره الجانبية أسوأ بكثير مما يبدو الآن.
لو كانت القوة هي الحل لكانت المشكلة حلت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين اختار تصفيتهم. الآن يكرر غيره نفس الخطأ مع سند شعبي أهون وظرف اقتصادي متراجع، مع أن لا حل مع التيارات الدينية سوى إشراك من يقبل منها بالقانون حكما والسلمية نهجا وصناديق الاقتراع فيصلا. أما استسهال المواجهة وعدم التمييز بين من يقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية ومن لا يؤمن بغير العنف سبيلا فليس من شأنه سوى مزيد من تعقيد وتعفين الوضع الكئيب الحالي. بعد كل هذا الغبار والصياح لن يجد المصريون من حل لأزمتهم غير الحل السياسي الذي يشارك فيه الجميع بروح توافقية أما غير ذلك فلا يعني سوى أن مشاكل المصريين الأصلية من أمية وفقر وفساد سيزيدها الاستبداد سوءا على سوء بعد أن سرقت ثورتهم الذي عقدت عليها كل الآمال العريضة.
(القدس العربي)