هل سمعت بشخص اسمه سوشيل
كويرالا؟ لا عليك فأنا لم أسمع به إلا مصادفة، خلال رحلة جوية من كوالالمبور إلى الدوحة، عندما كنت أقلب صحيفة ماليزية، وبما أن معظم محتويات الصحيفة كانت تتعلق بالطائرة الماليزية التي اختفت فجأة في الثامن من مارس/ آذار الجاري، وبما أن "أخبار"
الطائرة ومنذ اختفائها كانت تقتصر على "لا توجد معلومات جديدة لدينا"، فقد اضطررت للتنقيب في صفحات الجريدة بحثا عن موضوع يستحق القراءة.
ولفت انتباهي عنوان تقرير يقول: رئيس وزراء
نيبال يملك ثلاثة هواتف جوالة. وحسبت بادئ الأمر أن هناك من يعتقد أن الرجل مبذر ومتلاف، خاصة وأن نيبال من الدول المستحقة للصدقات، وأن بها معارضة شرسة للحكم يقودها شيوعيون ماويون، لم يسمعوا بأن عيال ماو نفسه (في الصين) تخلوا عن تعاليمه، وعن الماركسية والاشتراكية، وتبنوا نظرية الحكم الاشتمالي التي تستند إلى خلطة "سمك، لبن، تمر هندي": شعارات اشتراكية وممارسات رأسمالية، مع جرعة هائلة من الشمولية، وكانت النظرية الاشتمالية حكرا لحزبي البعث في العراق وسوريا، اللذين طبقاها تحت شعار "حرية – اشتراكية – وحدة"، ولكن وعلى صعيد الممارسة الفعلية صار الشعار "حربية – شراك خداعية – توحُّد".
هناك قانون في نيبال، يقضي بأن يعلن كل من يشغل منصبا سياديا أو دستوريا عن ممتلكاته، ولما زاد رئيس الوزراء سوشيل كويرالا من جرعة انتقاده للفساد المالي في دواوين الحكم، ومناداته بالشفافية وضغط الإنفاق الحكومي، بالتوقف عن الصرف البذخي، شرع خصومه في المعارضة في نبش ملفاته، خاصة وأنه لم يقدم إقرارا بما يملك عند توليه منصبه، على أمل أن يجدوا لدى الرجال البالغ من العمر 77 سنة، وسليل الأسرة الإقطاعية ممتلكات لم يعلن عنها، ولما لم يجدوا مستندا أو إفادات شفهية تشير إلى أنه يملك عقارا أو أرضا أو منقولات ذات قيمة مادية، لجأوا إلى الصحف مستخدمين سلاح الغمز واللمز:
لماذا يتكتم رئيس الوزراء على ممتلكاته ولم يقدم "إقرار الذمة المالية" كما فعل جميع الوزراء ونواب البرلمان؟
هنا أضطر كويرالا إلى إبلاغ الجهة المختصة بأنه يملك ثروة بسيطة تتمثل في ثلاثة هواتف جوالة أحدها من طراز آيفون والآخران من طراز تم سحبه من الخدمة في عام الفيل، فكان أن صاحوا فيه: كفى استغفالا لنا يا رجل. كيف تكون هواتفك الجوالة ولو كان عددها عشرين ثروة؟ فقال لهم ما معناه: علي بالطلاق لا أملك من حطام الدنيا غير الهواتف الثلاثة وأحدهما غير صالح للاستخدام الآدمي، واحتفظ به من باب حفظ العُشرة.
باختصار أكدت التحريات أن كويرالا لا يملك عقارا أو أرضا، ولا دراجة، أو معزة، وأنه تنازل لأشقائه الستة عن حصته في الأرض الشاسعة التي كان والدهم يملكها، وكان وما زال يعيش في شقة يدفع أجرتها حزب "مؤتمر نيبال/ نيبال كونغرس" الذي يقوده.
وألقيت نظرة على صورة الرجل التي جاءت قرين التقرير عن ثروته الجوالة، ورأيت كيف ان التقشف باد على وجهه الذي تغطي ثلثه نظارة طبية إطارها البلاستيكي مهترئ، وباختصار فإن المهاتما غاندي يبدو مقارنة به - من حيث اللياقة الجسمانية - مصارع سومو يابانيا (لم يحدث أن عاش مصارع سومو ياباني أكثر من 35 سنة ليس بسبب الإصابات أثناء المصارعة ولكن لأنه كي تكون مؤهلا لممارستها ينبغي أن يكون وزنك أكثر من مائتي كيلوجرام مكعب، وبحمولة كهذه من الشحوم واللحوم يشق مصارعو السومو طريقهم إلى اللحود بسرعة).
هذا رجل على شعوب العالم الثالث جمع المال الذي يكفي للحصول على عدة نسخ منه، بهدف تحسين نسل القيادات التنفيذية والسياسية، فمعظم تلك الشعوب يحكمها قادة يؤمنون بزعم معمر القذافي، بأن مصطلح ديمقراطية أصله عربي هو "ديمو كراسي"، وحرفها الإغريق والجنس الأبيض وجعلوها "ديموكراسي"، والديمو كراسية القذافية السائدة في العالم الثالث تقضي بإجراء انتخابات كل بضع سنوات، لتأكيد "التفاف الشعب حول قيادته الملهمة"، فيصبح الزعيم "المنتخب" رئيسا مزمنا، أي دائم الجلوس على الكرسي، مما يجعله محصنا ضد المساءلة، وأمامنا اليوم شواهد حية على ذلك، فقد تكشفت تفاصيل اعتبار الرئيس المصري المخلوع حسني شرم الشيخ وأنجاله أن جيوبهم وجيب (خزينة) الحكومة واحد، وهناك ليلى الطرابلسي التي صارت زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، فنالت ترقية من مساعدة كوافير إلى مليونير بالدنانير والدلالير (جمع تكسير "الدولار" الذي يتم الحصول عليه بكسر الخزائن العامة)، ولن أستطيع الحديث عما يحدث للمال العام في وطني (السودان) لأنني صاحب عيال، والعيال مبخلة ومجبنة!