لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة من التخلف؟ كيف وصلت أزمة الوطن إلى هذا المنحدر؟ نحن على شفا جرف هار، وأصبحنا أمة منقسمة على نفسها، والكل خائف ... كيف وصلنا هنا؟
سيقول لك البعض ...
1 –"
الجهل هو السبب" : ولكن ذلك لا يفسر السبب الحقيقي لما وصلنا إليه.
لأن هناك سؤالا آخر وهو (كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الجهل وقلة الوعي؟).
أنا لا أنكر وجود الجهل، بل أتساءل كيف استشرى هذا الجهل؟ ولماذا لم تتمكن الدولة من مقاومته على مدار ستين عاما؟
2 – سيقول لك آخرون "
الاستعمار هو السبب" : ولكن ذلك لا يفسر كيف أصبحنا قابلين للاستعمار بهذا الشكل "العبيط"، كما يقول مالك بن نبي رحمه الله.
تحديات التحرر من الاستعمار خضناها منذ أكثر من قرنين من الزمان، فكيف بعد أن استقلت
مصر بعشرات السنين نستطيع أن نلوم الاستعمار على مشاكلنا؟
3 – سيقول آخرون "لم نصل إلى هذا الانحطاط إلا بالابتعاد عن ديننا" :
وأنا أحترم هذا السبب جدا، ولكني أطرح سؤالا للسؤال ... وكيف ابتعدنا عن ديننا؟ ولماذا ابتعدنا عن ديننا؟ لماذا ننظر لهذا الأمر على أنه سبب، بينما يبدو لي كنتيجة !
سوف يتفنن كثيرون في تفسير حالة الانحطاط الحضاري التي وصلت لها مصر، وأنا أعني هنا مصر بكل ما تعنيه، كدولة، وكشعب، وكمؤسسات، مصر أفرادا وجماعات.
في رأيي الشخصي أن التفسير مجموعة من الأسباب، ولكن من الممكن أن نختصرها في سبب واحد جامع مانع، من خلاله بإمكانك أن تفسر كل ما نحن فيه .
أيها السادة ... لقد وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط بسبب سكوتنا على الظلم!
لقد سكتنا على الظلم ستين عاما، وكانت النتيجة أن الأنظمة الظالمة المستبدة قد أفسدت كل شيء، وأول ما أفسدته هو الإنسان.
إن أكبر جريمة للأنظمة العسكرية التي حكمت الوطن العربي أنها دمرت القيم الإنسانية في الأفراد والجماعات العربية، وجيل اليوم يدفع ثمن سكوت آبائه وأجداده على الظلم طوال ستين عاما مضت.
الاستبداد دمر التعليم، لأنه يعلم جيدا أن المواطن المتعلم خطر عليه، وكانت سائر الحكومات حريصة على إبقاء نسبة الأمية ضمن حدود معينة، ولم يكن من ضمن أولوياتهم جودة المنتج التعليمي بأي حال من الأحوال.
وكانوا حريصين على تنفيذ أجندات المستعمر من خلال الخضوع لقيم المستعمر الثقافية، ومن خلال الرضى بخرائط المستعمر جغرافيا، ومن خلال تدريس رواية الاستعمار لتاريخنا، وفي جميع الأحوال لم يكونوا سوى امتداد لهذا الاستعمار بشكل أم بآخر، شعروا أم لم يشعروا.
لقد تسببت دولة الاستبداد التي سكت الناس عنها في إفساد تدين الناس، فأصبحنا أمة تتدين بالشكليات، ولكن جوهر عقيدتنا أصبح حب الدنيا وكراهية الموت.
ضع ما شئت من الأسباب لانحطاطنا وتخلفنا، ستجد في نهاية الأمر أن كل هذه الأسباب نمت وترعرعت في دولة مستبدة لم تواجهها الجماهير.
اليوم ... نحن أمام الاختبار نفسه، هل نعود إلى بيوتنا لكي تتمدد دولة الاستبداد أضعاف أضعاف ما تمددت؟
أم هل نقوم بما لم يقم به أجدادنا في الخمسينات والستينات؟
إنه قدرنا ... نحن الجيل الذي وضع أصابعه في عش الدبابير، وبيننا وبين النصر خطوة أو خطوتان، ولا حل لنا إلا الاستمرار، ولا استمرار إلا بالصبر.
سيتحقق التغيير السلمي، بسواعد الشباب، قريبا ... قريبا جدا بإذن الله.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
موقع إلكتروني :www.arahman.net
بريد إلكتروني :
[email protected]