كتب مصطفى فحص: زوار الفجر هو مصطلح للتعريف عن أجهزة الأمن الناصرية والبعثية في كل من القطرين العراق وسوريا وكذلك في ليبيا، إضافة إلى أغلب أنظمة العسكريتاريا العربية، التي حكمت الكثير من الدول العربية لأكثر من نصف قرن، وظلوا لفترة طويلة الأداة التي طوعت فيها أنظمة الاستبداد أغلب خصومها، وقد اعتادوا أن يقوموا بمهامهم في الاعتقال والتنكيل بالمعارضين السياسيين واقتحام منازلهم واقتيادهم من أحضان أسرهم بثياب النوم عند ساعات الصباح الأولى، متعمدين إذلالهم وإهانتهم، دون مراعاة أدنى مستويات الأخلاق العامة وحقوق الإنسان.
يسجل لزوار الفجر جرأتهم في طريقة اعتقال المعارضين السياسيين، التي كانوا ينفذونها دون حرج أو تلطٍ أو تخفٍ، ودون الاستعانة بوسطاء، أو اللجوء إلى أجهزة رديفة كأنصار الأنظمة أو أتباعها العقائديين، فقد كانوا على درجة من الوقاحة بحيث إنهم يقومون بعملياتهم من دون أقنعة وبعلنية واضحة.
منذ عدة أيام قام زوار فجر ولكن هذه المرة، كانوا مجهولي الأسماء والإقامة، بالتسلل ليلا إلى منزل الناشط السياسي الشيعي اللبناني الأستاذ
علي الأمين في بلدة شقرا الجنوبية، المعروف عنه انتقاده اللاذع لسياسات قوى الأمر الواقع هناك، وهو يدير موقعا إخباريا «جنوبية» يتيح فيه للكثير من المعترضين الشيعة على سياسات الثنائية الحزبية المتحكمة بقرار الطائفة، التعبير عن وجهة نظرهم وممارسة حقهم في إيصال آرائهم.
المدققون في تفاصيل الحادثة، يستبعدون احتمال أن المجهولين الذين دخلوا منزل الصحافي علي الأمين وعبثوا بمحتوياته، خصوصا في غرفة نومه دون أن يسرقوا شيئا من محتوياته، أن يكون دافعهم هو السرقة، ما يرجح احتمال أن الحادثة بمثابة رسالة للأمين وللكثيرين من المعترضين الشيعة، وأن هناك خطوطا حمراء لم يعد يسمح بتجاوزها، وأنه لا متسع للخيارات الأخرى داخل المجتمع الشيعي اللبناني، وإن كانت محصورة بعدد قليل من الأفراد أو حتى الجماعات الصغيرة.
منذ سنوات يتعرض الأفراد والمجموعات الشيعية المستقلة لحملات تشويه وتخوين داخل بيئتهم الاجتماعية، واتهامات بالعمالة للخارج، وصلت أحيانا إلى تهمة العمالة لإسرائيل، إضافة إلى الاتهام الدائم بالتبعية لسفارات عربية وأجنبية، وتلقي الأموال والدعم منها، كما فتحت وسائل إعلامية لبنانية النار على هؤلاء، وعنونت صفحاتها لأسابيع بسلسلة من الاتهامات تصل إلى حد الخيانة العظمى، مصورة حركتهم نشاطات تجسسية، متهمة إياهم زورا بأنهم مجموعة من الشتامين المأجورين، ووصل التهديد إلى مطالبتهم بتحسس رقابهم، وبالدعوة إلى نبذهم وطردهم أو عزلهم داخل مجتمعاتهم، بسبب خروجهم عن إجماع الطائفة.
إن الذي أعتقد أنه قادر على التفرد بقرار الدولة اللبنانية، وضيق مساحات التلاقي بينه وبين المكونات اللبنانية الأخرى، عاد وتراجع عن سياساته لاحقا، وذهب للبحث عن المشتركات الوطنية مع من حرض عليهم لسنوات، هو الآن جراء سياساته الخارجية يلغي كل إمكانية للتلاقي مع الشعوب العربية، التي غفرت له سابقا الكثير من هفواته إيمانا منها بدوره المقاوم ضد إسرائيل، وفي لحظة استنفاره للعصبية النابذة، يقترب من إلغاء كل مقومات الحوار مع أبناء طائفته المعترضين، الذين قد يتحولون في المستقبل القريب إلى ضرورة ملحة لإخراجه من ورطته في سوريا.
في تعليق علي الأمين على ما تعرض له، وهو شبيه لما تعرضت له شخصيات دينية معروفة ومعترضة بشكل أقسى، وضغط متواصل على القضاء ومنعه من البت في القضية يقول: «أنا المواطن اللبناني انتهك مجهولون بيتي في شقرا في الجنوب، وهذا ليس انتهاكا لبيت، بل هو إنذار بأن هناك من قرر الدخول إلى غرف نومنا ليجعلها مصنعا للكوابيس بدلا من الأحلام».
كنا نفضل أن يسرق المرتكبون لهذا الفعل شيئا من المنزل، حتى نتأكد أن القصد هو السرقة، لأن العادة أن زوار الفجر إما أجهزة أمنية وإما «حرامية».
(الشرق الأوسط)