يشعر جزء من الكونغرس الأمريكي بحالة من عدم الارتياح من موقف إدارة الرئيس باراك
أوباما، واستعدادها على ما يبدو لتقديم الدعم والسلاح للنظام
المصري.
ويقول ديباك تريباثي في تعليق نشره موقع "ميدل إيست أي" أن علاقة الإدارة الأمريكية مع النظام العسكري في مصر خلقت نوعا من الخلاف الحاد داخل الكونغرس.
ويرى الكاتب أن الخلاف يذهب أبعد من واشنطن، حيث تتعرض سياسة أوباما الخارجية لانتقادات في داخل أمريكا وخارجها، وهناك تحذيرات من أن إدارة أوباما تخلق أعداء كثرا في العالم.
ويشير تريباثي للمقال الذي نشره روبرت كاغان في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 2 أيار/ مايو كمثال على النقد الذي تتعرض له الإدارة.
ويعتبر كاغان أحد أهم مفكري المحافظين الجدد، وأحد مؤسسي "مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي دعا لتغيير النظام في العراق واستراتيجية دفع الولايات المتحدة للتسيد العالمي، وتعمل زوجة كاغان، فيكتوريا نولاند، في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس أوباما.
وكتب كاغان قائلا: "إن النظام العسكري الديكتاتوري المصري يقوم من خلال حملة القمع ضد الإسلاميين المصريين بخلق جيل جديد من الإرهابيين، بدلا من المساعدة في الكفاح ضد الإرهاب"، كما يزعم.
وأضاف كاغان أن الإخوان المسلمين استخدموا العنف ضد المتظاهرين، لكن هذا لا يقارن بما قام به الجيش من قتل الآلاف وسجن عشرات الألوف منذ الانقلاب على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ومضى كاغان محذرا من أن العنف الذي حكم فيه بالإعدام على المئات في محاكمات لم تستغرق ساعة سيقنع الإسلاميين بأن خيارهم الوحيد إما أن يقتلوا أو يُقتلوا.
والنتيجة التي وصل إليها كاغان، وهي أن الرجل القوي في الجيش المصري، ووزير الدفاع السابق عبد الفتاح
السيسي لن يجلب الاستقرار لمصر، حتى لو مارس سياسة قاسية. وأضاف أن السياسة الأمريكية تجاه مصر لا تعمل إلا على تقريب حدوث الثورة القادمة، والتي إن حدثت فستكون "أكثر راديكالية وأشد عداء للولايات المتحدة من السابقة".
ويرى تريباثي أن نية أوباما إرسال الدعم العسكري لمصر، والنقد المر من أحد صقور المحافظين الجدد، روبرت كاغان، يثير الغرابة. فالبيت الأبيض يخطط لإرسال طائرات أباتشي لمصر، حيث يقول إنها من أجل قتال "الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء، وسيقدم أوباما 650 مليون دولار كمساعدات إضافية للنظام العسكري، وأكثر من هذا تقول الإدارة إن النظام المصري ملتزم بمعاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة 1979.
ويضيف الكاتب "كل هذا كلام جميل يرن في أذن السيسي، ولكنه تحول مثير للأسف في رحلة أوباما التي كانت حبلى بالمثالية، لتنتهي بالتصرفات الميكافيلية. فقد انتصرت الانتهازية السياسية والحلول قصيرة الأمد على المثالية في هذه الرحلة".
ويشير الكاتب إلى أن عدم الرضا في الكونغرس عن سياسة أوباما في الشرق الأوسط تحولت إلى تمرد مفتوح، حيث أخبر السناتور باتريك ليهي، رئيس اللجنة الفرعية للدعم الخارجي البيت الأبيض، أنه لن يصادق على الدعم للجيش المصري.
وشجب السيناتور ليهي المحاكمة السريعة التي انتهت بإعدام 683 شخصا بمن فيهم مرشد الإخوان، محمد بديع عزت.
وقال ليهي إنه سيظل مفتوحا لتغيير موقفه حتى يرى "أدلة مقنعة تظهر التزام الحكومة بحكم القانون".
ويتساءل الكاتب هنا باستغراب عن التناقض في موقف الإدارة التي ترغب بشدة دعم العسكر في مصر بالسلاح وتوفير الدعم الاقتصادي والقلق الذي أظهره البيت الأبيض على حكم المحكمة المصرية، في الوقت الذي عبرت فيه الأمم المتحدة عن نفس مظاهر القلق.
ومع استمرار الأحكام القاسية ضد المعارضة تستمر مظاهر التمرد المسلح خاصة في سيناء.
وبالمقارنة مع أوباما فقد كانت شخصية إدارة سابقه جورج بوش قاسية في مجال العمل العسكري، ومنذ الأيام الأولى وشعبية أوباما التي وصلت ذروتها في حفل تنصيبه في كانون الثاني/ يناير 2009، فقد مرت السياسة الخارجية الأمريكية بتحولات ميكافيلية، بشكل أصبحت فيه تصريحات أوباما لا تطابق الحقائق على الواقع.
وكمثال على هذا الطريقة التي تصرفت فيها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقانون الدعم الخارجي الذي يقضي بقطع الدعم عن الأنظمة العسكرية التي أطاحت بأنظمة منتخبة ديمقراطية.
ومنذ اليوم الأول الذي أطاح الجيش بنظام الدكتور محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو قررت إدارة أوباما أنها "ليست مطالبة" لتحديد فيما إن كان الرئيس المصري مرسي ضحية انقلاب.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول في الإدارة قوله: "لن نقول إن ما حدث كان انقلابا، ولن نقول إن ما حدث لم يكن انقلابا، فلن نقول شيئا".
ويعلق تريباثي "كان هذا بمثابة منح السيسي الضوء الأخضر، فمع كل تلميح لتعليق الدعم ومع كل تعبير عن القلق حول الوضع المتدهور في مصر يأتي معه شيء يعطي عونا للطغمة الحاكمة في مصر، فبعد أكثر من ثلاثة أعوام على سقوط حسني مبارك ومرحلة قصيرة من الديمقراطية، يبدو واضحا انتخاب السيسي كزعيم جديد للبلاد، في نهاية الشهر الحالي".
ويصف الكاتب الانتخابات بأنها ستكون ممارسة محددة، وستذكرنا بالأيام السيئة لحسني مبارك. وسيحظى السيسي بمصادقة الغالبية، بنسبة قليلة من الناخبين ستصوت ضده.
ويواصل الكاتب "الحقيقة حول الواقع المصري اليوم، هي أن المعارضة إما في السجن أو أجبرت على العمل سرا إن لم يكن مؤيديها قد قتلوا. وفي الوقت نفسه، تنشغل الأصوات المؤثرة في مصر بممارسة روتينية والتعبير بأخف العبارات عن أملها في قيام أمريكا بالتأكد من قيام الحكومة المصرية القادمة "الوفاء بمطالب الشعب وتحقيق مجتمع حر ومزدهر" كما كتب إيفان مور، المحلل البارز في مبادرة الشؤون الخارجية في مقالة نشرها "يوس أس نيوز أند وورلد ريبورت" في 8 أيار/ مايو.
في الوقت الذي يواصل فيه السيسي سياساته القمعية ضد الإسلاميين والليبراليين على حد سواء، تقدم هذه الأصوات النصح لإدارة أوباما لاستخدام الدعم وحث القاهرة على تبني إصلاحات سياسية واقتصادية فاعلة.
ويختم تريباثي مقالته بالقول "إن السيسي الذي يشعر بالجرأة من تردد إدارة أوباما الاعتراف أن الإطاحة بمرسي كان انقلابا، يقول إن الديمقراطية تحتاج إلى 25 عاما كي تتحقق في مصر، هذا إن تحقق الاستقرار، ما يثير الغرابة أيضا وصفه الإطاحة بمبارك عام 2011 ومرسي عام 2013 بأنها خطوتان نحو الديمقراطية".
ويقول تريباثي "في أقل من عام من الإطاحة بالنظام السياسي الانتخابي الذي برز نتيجة لثورة الشعب، تحرك السيسي نحو ضرب أكبر حركة سياسية في مصر، الإخوان المسلمين، وتغلب على الليبراليين في هذا، والذين أصبح الكثيرون منهم هدفا له، ويحضر المصريون أنفسهم لفترة طويلة يتسيدها ديكتاتوري عسكري، والذي في عمر الـ59 قد يحكم سيطرته الحديدية لفترة طويلة، ويجب أن يشكر السيسي أوباما على هذه الهدية".