كتب عمار مناع:
قبل أيام قرأت أبياتا من الشعر كتبها أسير بطل، كتبها بأحاسيس قلبه قبل مداد قلمه، خط حروفها من أبجديات تعلمها منذ تفتحت عيناه على هذا الوطن السليب وزن أبياتها بالعزيمة والإصرار، أطلقها من عزله الضيق بمكانه الفسيح بأمل مقاتل يحلم بالحرية، فخرجت تسعى علها تلامس آذانا صاغية وقلوبا واعية، فأنشد قائلا:
إلى
الإضراب أحرارا **** وبالأمعاء ثوارا
سنمضي اليوم إصرارا **** نصون العرض والدار
أبيات يقف الإنسان مدهوشا عاجزا أمامها، فأي عزيمة هذه وأي همة، من أين يستمدون كل هذه الروح؟!! ومن أين يستنهضون كل هذا التحدي؟!!
إنهم الأسرى العظام، ضحوا وقدموا، استلهموا ثباتهم من ثبات الأرض التي عشقوها، واستمدوا طاقتهم من دفء شمس أوطانهم، واتسعت قلوبهم أملا باتساع بحرهم، قرأوا التحدي على صخور جبالهم، ورضعوا فلسفة المواجهة من حليب حرائر أنجبنهم، نشأوا على عشق مسراهم، تعلموا لغة الرياضيات فكانت إشارة الأكبر لا تشير إلا إلى أقصاهم، وجداول الضرب لا يستخدمونها إلا في مضاعفة أجورهم من التضحية والفداء والمرابطة والمجاهدة والمراغمة، لا مقارنة في ميزانهم بين دمائهم وأقصاهم، بين حريتهم وكرامة أمتهم، بين الحياة بذل والموت بعز.
كم أحرجونا وهم يخوضون معركتهم بأمعائهم الخاوية الثائرة، بقليل سلاح وبكثير أمل، بضعف إمكانيات مادية وبقوة معنويات تناطح السحاب، كم أحرجونا ونحن نقف نطأطئ الرؤوس خجلا، يقعدنا إحساس بالعجز، ويملؤنا شعور بالتقصير.
وللأسف الشديد أصبح الكثير منا يتعامل مع خبر إضرابهم كخبر عابر يمر عليه مر الكرام، وكأنه يسمع خبرا عاديا ضمن نشرة صباحية أو مسائية تزخر بأخبار متنوعة من هنا وهناك.
والبعض يتعامل معه كخبر وظيفي يسارع لاستغلاله للاستهلاك الإعلامي وتسجيل المواقف ولإثارة العواطف، لذلك نجد قضية الأسرى في كثير من الأحيان هي قضية موسمية، لا قضية ثابتة، نستحضرها متى احتجناها، ونركنها على الرف إذا فرغنا منها، فهي كحبة دواء وصفها طبيب نتناولها عند الحاجة.
لا شك أننا مقصرون تجاههم، وعلى الجميع أن يقف أمام مسئولياته، أفرادا وجماعات، أحزابا وطنية وإسلامية، سلطة وشعبا، مؤسسات أهلية وشعبية ورسمية فأين المواقف الحقيقية التفاعلية المتسلسلة؟! وأين الخطوات المدروسة والمتصاعدة لتفعيل قضيتهم على كل المستويات؟! أين الإعلام من قضيتهم؟! أم لم يعد لديها الوقت الكافي فليس هناك مساحة بين المباريات والمسلسلات و الأفلام؟! ولماذا لا تصبح قضيتهم مركزية تثار في نفوس الأجيال لتكون من محور اهتماماتهم وفي أعلى سلم أولوياتهم؟!!!
ألا يستحقون منا بعض الاهتمام، وهم الذين ضحوا بزهرة سني حياتهم من أجلنا وبذلوا حريتهم في سبيل حريتنا، فلماذا كل هذا التقصير فالله عز وجل سيسألنا عن ذلك، وسيكتب التاريخ في صفحات المجد عمن نصر وصبر، وسيكتب في صفحات الذل عمن خان وخذل.
لذلك لا بد من أن نقف أمام مسئولياتنا، وأن نؤدي واجبنا تجاههم، وأن يقدم كل منا ما يستطيع، كل في مكانه ووظيفته ومسئولياته، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: السير على دربهم، تحت شعار "أخي إن صدقت مودتي، فاحمل لوائي وأكمل طريقي"، وأن لا نجعل تضحياتهم تذهب هباء منثورا، فلا نفرط في ثابت من الثوابت التي قدموا أعز ما يملكون من أجلها وبذلوا أعمارهم في سبيلها.
ثانيا: التحرك الجاد العملي لإثارة قضيتهم على كل المستويات في الشارع والمؤسسات، في الساحات المحلية والخارجية، وفي المحافل الدولية والشعبية والرسمية.
ثالثا: أن نخلفهم في أهلهم خيرا، وأن نجعلهم يشعرون بوجود من يهتم بأهلهم إن هم غابوا.
رابعا: أن نرعاهم بعد خروجهم، وأن نكرمهم ونجعل لهم المكانة التي تليق بهم.
خامسا: الدعاء لهم في السجود وجوف الليالي وأدبار الصلاة.
سادسا: المناصرة الإلكترونية، وهو أمر هام يجب أن لا نغفل عنه، فهي لغة العصر وسلاح فعال أقوى في كثير من الأحيان من كل وسائل الإعلام، فكم من نظام استبدادي كانت بداية انهياره من وراء شاشات الكمبيوتر وفي العالم الافتراضي فالنصرة الإلكترونية، تزيد التفاعل وتنشر الفكرة وتوصل إلى كل العالم رسالتنا، وما انتشار هاشتاج #مي_وملح إلا خير دليل على ما نقول، ولو لم يكن فيها إلا رفع معنويات ذوي الأسرى وأهلهم وشعورهم باهتمامنا لكفى.
إخواني الأسرى لا أملك إلا أن أقول: اصبروا وصابروا ورابطوا، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، لا يضركم من خانكم أو خذلكم، واعلموا أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا