ما بين مصر وغزة معبر صغير يحتوى على بوابة حديدية أصغر، ولا تتجاوز عدة أمتار، تعتبر رئة مدينة
غزة المحاصرة منذ 2007 للعالم بل للحياة.
على هذه البوابة مات الكثير، وتحطمت أحلام الكثير، وفقد آخرون إقاماتهم ووظائفهم، ومنها أيضا يدخل القليل من كثير ملأت كشوفات السفر بهم.
فثماني سنوات مرت على هذه المدينة حين رأت آخر مرة هذا المعبر مفتوحا بشكل دائم، وكحلت عينيها بقاعة السفر المصرية دون تعطل متكرر لشبكة الحواسيب، أو مرجعين بحج أمنية أو بدون، أو على أساس الانتماء الحزبي أو على مزاج ضابط مصري استعبد المسافرين خلال فترة مناوبته.
و عندما تدخل من البوابة المصرية إلى تلك الزنزانة الكبيرة قليلة الموارد والامكانيات، تدخل قاعة فارغة مكتوب "عليها فلسطين ترحب بكم، قاعة القادمين"، باتجاه بوابة داخلية للمعبر الفلسطيني، ستجد أمام المعبر سيارات لنقل المسافرين قد تكون جديدة، من التي سمح الاحتلال بإدخالها طيلة فترة
الحصار عبر معبر البضائع الوحيد بين الاحتلال الإسرائيلي والقطاع "معبر كرم أبو سالم"، أو قد تكون من النوع القديم المنتشر الذي لم يستطع سائقها شراء جديدة لارتفاع أسعارها وقلتها.
ما بين رفح وغزة ساعة في السيارة تقريبا، ربما لن تعجبك الطريق لكثرة الحفر فيها التي توقف العمل عن تأهيل الكثير من الطرق منذ 8 سنوات، صحيح ستستمع طيلة الطريق عبر الإذاعات المحلية لجمل تحدث عن وعود بقرب بفك الحصار، مرتبطة بتحقيق
المصالحة.
في منطقة الوسطى قبيل غزة وبعد خانيونس، ستجد على يسار الطريق شركة تسمى شركة توليد الكهرباء، من المفترض أن تولد الكهرباء، لكن منذ سنوات الحصار تتوقف بشكل مستمر لمنع الاحتلال إدخال الوقود إليها، أو بسبب خلافات سياسية بين الفصيلين الكبيرين والحاكمين فتح وحماس.
هذه الشركة على صغرها، تسببت في وفاة الكثير من المواطنين حرقا، نتيجة محاولتهم إنارة بيوتهم بالشمع أو الطرق البدائية، وأغلب هؤلاء كانوا أطفالاً، فلا تستهين بالأحجام.
وبخصوص الشركة، يقال أنه بعد أسابيع ستحل مشكلة الكهرباء، ومعبر رفح، فور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الذي ستتكفل بموجبه مصر بفتح المعبر للبضائع والأفراد بشكل دائم، كما وعد الساسة، وستبدأ المدينة المحاصرة، تدريجياً بالخروج من عتمة الحصار إلى نور الترميم و البناء، ومن نصف راتب يُدفَع لموظفي حكومة غزة إلى راتب كامل لهم.
ستتساءل لماذا أحدثك عن غزة المحاصرة، وليس عن القطاع المحاصر، باختصار الجميع يعرف غزة أنها محاصرة ولا يعرف القطاع، وفي بعض البلدان العربية لا يعرفون غزة ولا القطاع.
وعند بدء الحكومة بالعمل وإعادة الروح لقطاعات الحياة في غزة، وقتها لن تكون غزة تلك الثماني سنوات من الحصار، بل ستدخل في عام تاسع مختلف، وتكون غزة التاسعة إن صدق الواعدون، وقد عادت
المساعدات الأمريكية الأوروبية، والتزمت الدول العربية بوعودها بفك الحصار، وتدفقت الأموال للحكومة الجديدة.
ستقول إن الحكومة ربما ستصبح مرهونة للمساعدات الخارجية، للأسف نعم، فالخطيئة السياسية في عام 1993 "أوسلو"، ربطت الدول الفلسطينية الموعودة بمزاح الاحتلال، ووعود الخارج.
غزة ستكون مختلفة في العام التاسع، ربما للأفضل إن صدق العرب، وللأسوأ إن أخلف الغرب، وتأمر على الشعب الفلسطيني من جديد.