لم أسمع بأن نظاما عربيا - على بؤس الأنظمة العربية ومعاناتها من الحَوَل وضعف النظر وفقر الدم - لجأ إلى العرافين وقراء الطالع قبل البت في شأن من شؤون الحكم، بل نعرف أن الخرافة متفشية في عالمنا في أوساط العامة في مجالات محدودة، مثل شل قدرات لاعبي فريق ما لكرة القدم، أو بناء جدار افتراضي في مرمى فريق كرة ما حتى لا تلجه كرة، أو لمنع رجل من الزواج بأخرى، أو لتحويل مناديل الورق إلى دولارات.
ولكن كل من يتابع شؤون السياسة الدولية لابد وأن سمع كيف أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد
ريجان، كان يستشير قارئة حظ قبل اتخاذ أي قرار، وأنه لم يكن يقوم بأي نشاط يتعلق بأمور الحكم يوم الأربعاء بتوجيه من تلك
العرافة، (من موروثات الثقافة النوبية التي ما زالت بصماتها ظاهرة في السودان، التشاؤم بيوم الأربعاء، فلا يتم في ذلك اليوم ختان أو عقد قران)، وكان لريجان عدوان هما الاتحاد السوفييتي – زعيم المعسكر الاشتراكي حتى مطلع تسعينات القرن الماضي - وذلك الليبي الذي لم يكن يحمل مسمى أو وصفا وظيفيا محددا، ومع هذا كان هو الآمر والناهي في أدق تفاصيل حياة كل ليبي بدرجة أنه منع أداء صلاة الفجر في المساجد لأن في ذلك في تقديره تضحية بساعات نوم "ثمينة".
وبكل فخر أقول إنني ظلت أنبه قادة مختلف الدول إلى أن الاتفاقيات التي أبرموها مع ليبيا وحملت توقيع القذافي لا قيمة لها لأن الرجل لم يكن – حسب زعمه المتكرر – يشغل منصبا سياديا أو دستوريا في بلاده)
المهم أتخيل أن ريجان كان يجلس أمام العرافة مرة كل أسبوع، ويقول لها: هادا مؤمر قدافي مجنون ليلى (يقصد ليبيا، وكان ريجان جاهلا عصاميا وأعلن ذات مرة أنه لن يتردد في قصف بوليفيا بالطائرات، واستدرك الخطأ معاونوه وقالوا إنه يقصد ليبيا)، لازم هو فينيش؟ كل شوي يسوي بروبليم، ولازم هو في خوف من
امريكا منشان أراب ما يصير شيوعي متل هو! فتقول له: ما في مشكل مستر بريزيدنت، انت في طخ قدافي بطيارات اف 15 وهو يصير فينيش وانت يصير هابي ومستأنس!! ولأن الإنسان المخرف، أي المؤمن بالخرافات يعاني بالضرورة من فقدان القدرة على التحليل والاستنتاج المنطقي فان ريجان لم يستنتج ان العرافة الخاصة به كانت "فاشوش" حتى بعد ان فشلت الغارة التي شنها على بيت القذافي في "تفنيشه" من الدنيا، في حين نجح فرسان مصراتة والزنتان في القضاء عليه دون الاستعانة بعرافة!!
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، قام بعضنا ببث تخريجات ما انزل الله بها من سلطان حول كيف ان سورة التوبة تحوي تفاصيل تلك العملية بل وتحدد اسم الشارع الذي يقع فيه برجا مركز التجارة العالمي اللذين راحا ضحية العملية، وسرعان ما تم إسكات أولئك الذين روجوا لتلك الأمور.
ولكن هل تصدقون ان حرب العراق والتي دخلتها أمريكا بزعم تعزيز الديمقراطية فيها، قامت في ضوء نبوءة وكهانة؟ كما يقولون، فان الكلام حلو من فم صاحبه/ مصدره: قبل بضع سنوات ألف المدعو مايكل دروسنين كتابا قال فيه إن الإنجيل يحوي شفرة تتنبأ بالأحداث المستقبلية، ثم تلقى دروسنين مكالمة هاتفية من مدير المخابرات في وزارة الدفاع الأمريكية، يدعوه فيها إلى زيارة واشنطن على وجه السرعة، لأن نائب وزير الدفاع الأمريكي يريد منه ان يجتمع بهيئة الأركان الأمريكية، وكبار مديري ومسؤولي وكالة الاستخبارات الدفاعية وهي اكبر وكالة تجسس في العالم، وفعلا طار دروسنين الى واشنطن واجتمع بالرؤوس الكبيرة وشرح لهم كيف ان الإنجيل تكلم عن مصرع صدام حسين، "واللي صار، صار".
بالضبط كما جاء في الإنجيل (لا تحاول قراءة الإنجيل لأنك لا تستطيع القراءة بين السطور كما المستهبل هذا)!! وما شجع الأمريكان على الاستعانة بدروسنين، هو أن مدير المخابرات الاسرائيلية الموساد السابق، الجنرال مائير داجان سبق أن ابلغهم عن النبوءات الإنجيلية القيمة التي قدمها دروسنين إلى الحكومة الإسرائيلية حول دحر الانتفاضة الفلسطينية نهائيا!! ضع أيها القارئ هذه الحكاية - وهي بالمناسبة مأخوذة عن مقال كتبه دروسنين بنفسه في صحيفة دايلي ميل البريطانية قبل أشهر قليلة للترويج لكراماته المستمدة من قدرته على ما خفي على المسيحيين في الإنجيل. ضعها مع حكاية محور الخير (واشنطن حسب زعم الرئيس الأمريكي الأخرق الأحمق الهبنقة جورج دبليو بوش)، وحرب الجنرال الأمريكي بويكن المقدسة ضد الشيطان (الإسلام) ثم عليك ان تصدق ان الهوس والتشدد والتصلب والشطط والتطرف سمة إسلامية فقط وان الأمريكان يتخذون قراراتهم فقط في ضوء معطيات علمية بحتة وصرفة!