"كانت الخطة في غاية البساطة، تقتضي أن تعمل
إسرائيل والحكومة الجديدة التي يترأسها العسكر في
مصر معاً للضغط على عدوهما المشترك في قطاع
غزة -
حماس. إلا أن سوء تقديرهما ولد أزمة". هذا ما استهل به الكاتبان آدم إنتوس في القدس ونيكولاس كاسي في غزة، تقريرهما المنشور في "وول ستريت جورنال" يوم الأربعاء.
وقال الكاتبان تحت عنوان "توتر غزة الذي غذاه التحالف غير المألوف بين إسرائيل ومصر"، إن "إسرائيل ومصر اتفقتا فيما بينهما سراً على العمل معاً ضد حركة حماس، وذلك بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013". وأضافا أن "هذه الاستراتيجية أثبتت فعالية، إلا أن بعض المسؤولين الإسرائيليين والأمريكان يعتقدون الآن بأنها غذت توترات ساعدت بدورها على إشعال حرب مفتوحة في غزة".
وأفاد التقرير بأنه "حينما وصل الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر بعد تزعمه انقلابا أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، وجدت إسرائيل أن لدى البلدين مصلحة مشتركة في إخماد الحركة الإسلامية التي تحكم غزة، فبدأ البلدان يعملان معا للضغط على عدوهما المشترك".
وأضاف نقلا عن مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل والأمم المتحدة، أنه "بمراجعة تسلسل الأحداث وصولاً إلى الصراع الذي دارت رحاه الشهر الماضي، تبين أن المسؤولين الإسرائيليين والمصريين تجاهلوا - إذ عقدوا العزم على تحجيم حماس - إشارات تنذر بانفجار محتم".
ويؤكد أن "الولايات المتحدة شجعت إسرائيل ومصر على تكوين
شراكة أمنية وثيقة فيما بينهما، إلا أن ما لم يخطر ببال
واشنطن هو أن يصل البلدان إلى نقطة يثقان عندها ببعضهما البعض أكثر مما يثقان بالأمريكيين، الذين وقفوا على الهامش يشاهدون الأحداث في مصر تتوالى بينما الإسرائيليون والمصريون يرسمون معا ملامح الخطوات التالية".
ورجوعا إلى البدايات، يروي التقرير أن "مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية قالوا إنهم لم يعرفوا كيف يقيّمون السيد السيسي، المعروف بأنه رجل مسلم ملتزم كان في المواقع التي شغلها في الماضي يعامل الإسرائيليين ببرود، كما قال مسؤول إسرائيلي كبير".
ولفت إلى أنه "بينما كان السيد السيسي يتحرك باتجاه السيطرة على الحكومة، انكب المحللون الاستخباراتيون الإسرائيليون على تصريحاته العلنية وكتاباته وما يرشح عنه من كلام يصدر عنه فيما وراء الكواليس".
وكانت خلاصة ما وصلت إليه الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية: "أن السيد السيسي يعتقد يقينا بأن الله ابتعثه في مهمة لإنقاذ الدولة المصرية"، كما نقل التقرير عن المسؤول الإسرائيلي الكبير.
ويضيف المسؤول الإسرائيلي –بحسب التقرير- أن "المحللين الاستخباراتيين الإسرائيليين فسروا تصريحات السيد السيسي بشأن الحفاظ على السلام مع إسرائيل وتخليص مصر من الإسلاميين على أنها تمثل إدراكا شخصيا بأننا - أي إسرائيل - نقف إلى جانبه".
ونقل التقرير عن القيادي غازي حمد، قوله: "في يوم من الأيام كنا نجلس ونتحاور بشكل رائع مع مرسي وحكومته، ثم فجأة أوصد الباب في وجوهنا".
ونقل عن المسؤولين الأمريكان أن "حماس بعد أن كانت تتواصل على كل المستويات مع الحكومة المصرية تحت إدارة السيد مرسي، باتت اليوم لا تملك سوى قناة تواصل واحدة مع القاهرة عبر ضابط استخبارات حربية مكلف بملف حماس، وهو أكثر عداوة لحماس من الرئيس المصري ذاته".
ويذكر أن "واشنطن كانت تتعاطف مع وجهة نظر السيد السيسي الذي عبر عن قلقه من أن تجارة الأنفاق التي يمارسها الجزء الحدودي الجنوبي لمصر مع غزة، تتسبب في نشوء اقتصاد يشبه اقتصاد لوردات الحرب، ما يعود بالفائدة المباشرة على الجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة".
ويلفت إلى أن "المسؤولين الأمريكان لم يوافقوا على ما اعتبروه نظريات المؤامرة التي استحوذت على تفكير السيد السيسي بشأن تهديد حماس للدولة المصرية، وخشوا أن تؤدي سياسته القمعية ضد الإسلاميين في مصر إلى دفعهم إلى العمل من تحت الأرض، بل وخشوا أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى انزلاق مصر نحو حرب أهلية". ويضيف أن "مسؤولين أمريكان وإسرائيليين يقولون بأن الانتقادات الأمريكية لسلوك السيسي إنما عمقت العلاقة بين السيد السيسي وإسرائيل".
ثم يرصد التقرير ذهاب مصر للتنسيق سرا مع كبار المسؤولين الإسرائيليين بقيادة الجنرال الاحتياط عاموس جلعاد، مدير مكتب العلاقات السياسية العسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، والمعروف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنه "الجد الأكبر" لقناة التواصل الإسرائيلية المصرية، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
و"حينما أغلق السيد السيسي تقريبا جميع الأنفاق العابرة للحدود بين مصر وغزة دون أن يعوض غزة عن فقدها لتلك السبل ولم يسمح بعبور المواد الضرورية إليها فوق الأرض، قال بعض المسؤولين الإسرائيليين إنهم بدأوا سرا يعبرون عن قلقهم ويدقون نواقيس الخطر تجاه القرارات الشديدة جدا التي اتخذتها القاهرة بحق غزة"، بحسب التقرير.
ونقل عن أحد المسؤولين الإسرائيليين قوله: "لقد بالغوا في الحقيقة في خنق غزة"، في حين كانت الأمور في غزة تتفاقم وتزداد الحياة بؤسا.
ويذكر التقرير أنه "في إبريل، وافقت حماس فجأة، وعلى عجل، على تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة رئيس السلطة الفلسطينية المدعومة من قبل الغرب، محمود عباس، وذلك في مصالحة مع مجموعته التي تسيطر على الضفة الغربية بعد سنوات من الخصومة والتنافس".
وأشار إلى أنه "وصل إلى واشنطن تقرير يتحدث عن المخاطر المتصاعدة والناجمة عن وضع حماس الحرج. أعد التقرير القنصل الأمريكي العام في القدس مايكل راتني الذي رأي الضغوط تتفاقم في الربيع. وخلص إلى أن حماس كانت في وضع يائس عاجزة عن دفع رواتب أربعين ألف موظف في غزة، وأنها تمد يدها الآن إلى السلطة الفلسطينية في محاولة لتخفيف الضغوط المتراكمة عليها".
وأضاف أنه "في أوج ما كانت تعانيه حماس من مأزق، اختطف ثلاثة مراهقين إسرائيليين في الضفة الغربية في يونيو (حزيران) ووجدوا فيما بعد مقتولين. استنتجت إسرائيل على عجل بأن حماس هي المسؤولة وبدأت باعتقال نشطائها في الضفة الغربية الأمر الذي أغضب الجناح العسكري للحركة في غزة".
ويروي التقرير نقلا عن مسؤول إسرائيلي كبير آخر، أنه "بعد عملية الاختطاف، والتي يعتقد المسؤولون الأمريكيون بأن أعضاء من حماس نفذوها دون موافقة من قادتهم في غزة، حذر مسؤولو استخبارات إسرائيليون صناع السياسة من أن الاستمرار في الضغط على حماس سوف يؤدي إلى انفجار شامل"، ويضيف أن "إطلاق الصواريخ تصاعد من غزة وبدأت إسرائيل بالرد عبر القصف الجوي".
ويلفت إلى أن "المسؤولين الأمريكان حاولوا التدخل في الأيام الأولى من الصدام الذي تفجر يوم الثامن من يوليو في سعي منهم لإيجاد تسوية من خلال التفاوض، إلا أنهم أدركوا أن مكتب السيد نتنياهو أراد إدارة المشهد حصريا مع مصر واستبعاد الأمريكان، حسبما أكد مسؤولون أمريكان وأوروبيون وإسرائيليون".
ويقول إنه "حينما حلت أخيرا لحظة التفاوض على صفقة في القاهرة لوقت إطلاق النار، وجدت واشنطن نفسها خارج الدائرة تتفرج مجددا عن بعد على الشراكة الإسرائيلية المصرية".
ويروي أن "إدارة أوباما علمت من خلال التواصل مع الفلسطينيين مطلع هذا الأسبوع أن ممثلين عن إسرائيل ومصر والفلسطينيين ينهمكون في التباحث بشأن مقترح جديد لوقف إطلاق النار، إلا أن الأمريكان لم يعلموا كثيرا من التفاصيل لأنهم بقوا إلى حد بعيد خارج دائرة المباحثات".
وينتهي التقرير إلى أن "بعض كبار المسؤولين الأمريكان قالوا إنهم سمعوا للوهلة الأولى عن بوادر انفراج من تويتر ومن وسائل الإعلام، بدلاً من أن يسمعوا عنها من المسؤولين الإسرائيليين أو المصريين".