كشف الكاتب ويليام بوث في صحيفة "واشنطن بوست"، عن حالة من استمرار الحرب في
غزة، تتعلق بقواعد البيانات التي تحدد من الذي قتل وسبب الوفاة. ويبدو أن الأرقام الأكثر إثارة للجدل، ليست تلك التي تحصر إجمالي أعداد الوفيات من الجانب الفلسطيني، التي وصلت إلى أكثر من 2100 قتيل في الأعمال العدائية في غزة، بل ما يتعلق بنسبة أعداد القتلى المدنيين إلى المقاتلين.
ويفيد بوث في تقريره المنشور الأحد، بأن تحديد هذه النسبة سيساعد في تشكيل الرأي العام حول الطريقة التي اتبعت في شن الحرب، وكلفتها البشرية، وما إذا كانت تلك الأعمال العدائية تتناسب مع الخسائر في الأرواح أم لا.
ويذكر أن مكتب
الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، من جهته، قد أفاد في أحدث إحصاءاته، بأن 2104 فلسطينيين قتلوا في غزة، بما في ذلك 1462 من المدنيين، من بينهم 495 طفلا و253 امرأة. وتعني هذه الأرقام أن 69 في المائة من مجموع الذين قتلوا كانوا من المدنيين.
ويلفت إلى أنه على النقيض من ذلك، فقد زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بأن "القوات الإسرائيلية قتلت نحو ألف إرهابي"، على حد تعبيره. وهو ما يعني التقليل من عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين الذين وصل عددهم إلى 2104، أي ما يقرب من 52 في المائة.
ويقول في معرض المقارنة، إنه بينما تقول القوات الإسرائيلية إنها «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»، يقول الفلسطينيون إن «القصف الإسرائيلي كان عشوائيا في كثير من الأحيان أو كان موجها ضد أهداف يرتفع فيها خطر سقوط ضحايا من المدنيين».
ويشير إلى أن البعض في إسرائيل يرون أن أرقام الأمم المتحدة غير دقيقة ومنحازة جزئيا، لأن الأمم المتحدة تستند في تقاريرها على الأرقام التي تقدمها جماعات حقوق الإنسان العاملة في قطاع غزة، ويحاجج هذا البعض بأنه لا يمكن الوثوق في صحة هذه الأرقام.
لكن الكاتب ينقل عن ماتياس بهنكي، وهو مسؤول كبير في مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في القدس، قوله: «إننا نشعر بثقة حيال عمليتنا. إننا نعتمد على عدد من المصادر. نحن نعمل على الأرض في غزة ونخرج للتحقق، وهذا يضعنا في أفضل المواقع المتاحة لتقييم من الذي يعتبر مقاتلا ومن الذي يعد مدنيا».
ويرى الكاتب أن الأمر سيستغرق أسابيع وربما شهورا، قبل أن يعلن كلا الطرفين عن إحصاءات كاملة.
ويوثّق أنه منذ البداية، شكك المسؤولون الإسرائيليون بأعداد القتلى الصادرة من غزة، متهمين حركة حماس بالتلاعب بها. ويقول الجيش الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني إن «وسائل الإعلام اعتمدت على إحصاءات حماس عند تقديم تقارير عن الخسائر البشرية في غزة». لكن لم يقدم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولا الجيش الإسرائيلي أي حصيلة مفصلة يمكن التحقق من صحتها للتدليل على ادعائهم بأن نحو ألف "إرهابي" قتلوا في الصراع، بحسب ما قال.
وينقل عن محمود أبو رحمة مدير الاتصالات في مركز الميزان لحقوق الإنسان، الذي يحقق في سبب وقوع ضحايا في حرب غزة، أن «الادعاء الإسرائيلي بأن 900 أو ألف مقاتل قتلوا هو مجرد ادعاء. يرجى توفير معلوماتكم والأسماء والظروف حتى نتمكن من التحقق منها. هم ينتقدوننا ونحن نتحمل المسؤولية. أين قوائمهم؟». ويذكر أنه خلال السبعة أسابيع التي دارت فيها الحرب، شرد أكثر من ربع السكان في قطاع غزة، ونقل القتلى والمحتضرون إلى المستشفيات تحت القصف الثقيل، ودفنت بعض الجثث تحت الأنقاض لعدة أيام.
ويلفت إلى أن الفوضى كانت في انتظار المراسلين الأجانب الذين زاروا المشرحة، وكتب الفنيون الطبيون أسماء القتلى في الدفاتر الملطخة بالدماء، بينما كان أقاربهم يسعون لاسترداد جثثهم، أو أكياس تحمل أشلاءهم.
ويتحدث عن مسؤول في حركة حماس، يعمل طبيبا، كان يقدّم حصيلة بأعداد القتلى عبر «فيسبوك» و«تويتر» كل دقيقة. وكان المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة يظهر في الأيام الأولى من الحرب عبر الكاميرات في مستشفى الشفاء في مدينة غزة لتوفير معلومات عن أعداد الضحايا. وشدد القدرة في مقابلة أجريت معه أثناء احتدام الأعمال القتالية على أن «العالم كله يعتمد على الأعداد التي نعلنها. إننا المصدر الوحيد». وفي حين أكد مسؤولون من حماس على ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، لم يقدم القدرة ووزارة الصحة أي تفاصيل عن المقاتلين والمدنيين - مجرد أسماء وأعمار والجنس. ورغم ذلك كان موقف القدرة واضحا، مؤكدا «أنهم جميعا
مدنيون».
ويشير إلى أن إحصاءات القدرة لم تكن المصدر الوحيد للمعلومات. بل طوال فترة الحرب، كانت هناك ثلاث مجموعات لحقوق الإنسان في غزة - اثنتان من فلسطين وواحدة من إسرائيل - قامت بنشر معلومات حول القتلى.
ويعتقد كاتب التقرير أن نشطاء مركز الميزان الذين كانوا يعملون يوما بعد يوم في ممرات المستشفى المزدحم لجمع الأسماء وأرقام الهواتف الجوالة، كانوا في الطليعة. ووفقا لإحصاءات مركز الميزان الحالية، فقد قتل 2168 فلسطينيا في حرب غزة، يقولون إن 1666 منهم، أو 77 في المائة، مدنيون.
وينقل عن سمير زقوت، مدير العمليات الميدانية بمركز الميزان، إنه من الممكن الوصول إلى الحقيقة؛إذ يعمل فريقه الميداني إلى جانب ثلاث مجموعات فلسطينية أخرى لتجميع قاعدة بيانات رئيسية لأعداد القتلى. ويتنقل من باب إلى باب نحو 70 من العاملين لتدوين المعلومات، كل عامل يحمل وثيقة من أربع صفحات تضم 40 سؤالا. عقب الهجوم البري الإسرائيلي، بدأت "حماس" في حجب أسماء مقاتليها. وقال زقوت: «لقد اعتقدوا بأنه إذا أصبحت الأسماء معروفة، فقد يتمكن الإسرائيليون من استهداف منازل ذويهم». وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن «حماس فعلت ذلك من أجل المناورة الإعلامية وتسليط الضوء على الخسائر في صفوف المدنيين».
ويضيف أنها بدأت تظهر هذا الأسبوع قوائم المقاتلين «الذين استشهدوا» على لافتات قامت حماس وفصائل أخرى بتعليقها في الأحياء وبنشرها على الإنترنت. وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي، ثاني أكبر كتيبة للمتشددين بعد حماس، الجمعة أن 121 من «جنودها وقادتها» قتلوا في الحرب. وقال محمد صباح، مدير مكتب منظمة «بتسيلم» في غزة إن «الفكرة القائمة على أن حماس ستخفي شهداءها غير ممكنة»، مشيرا إلى «أنهم فخورون بتضحياتهم»..