بنسبٍ جيّدة عرف كل رؤساء الولايات المتحدة كيف يقودون إدارة بلادهم الولايات المتحدة، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، حيث هبطوا من الحكم إلى بيت العز، على أفضل حال، بعد أن نالوا ثوابين لقاء ما عملوا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لأجل بلادهم ولأجل إسرائيل على نحوٍ خاص.
لكن الحال لم ينطبق على الرئيس الأمريكي الحالي "باراك
أوباما" الذي كان خاسراً للثناء والمديح منذ لحظة انتخابه أول مرّة في العام 2009، حيث لم يحُز الكثير من رضا الأمريكيين أنفسهم، كونه أسود على الأقل، ولا الرضا الإسرائيلي أيضاً، بسبب ما نضح من سياسته، بأنه أقل تشدداً بالنسبة إلى القضايا المصيرية الإسرائيلية وخاصةً في الشأنين الإيراني والفلسطيني، وزاد الطين بلّة عندما ابتدع سياسةً لم ترقَ في عيونهم إلى المستوى المطلوب، واتهموه خلالها بأنه أحرق ثروته السياسية منذ ولايته الأولى حينما ألقى بوزنه كلّه، لإحراز حلول للتورطات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان، وحلولاً أخرى لصراعات دولية وعلى رأسها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وكانت معطياتها فاشلة، حيث غطّت الانتقادات – تقريباً- أغلبية سياساته وسواء كانت المتعلقة بالشأن الداخلي الأمريكي أو الخارجي أيضاً.
بيد أنه بعد كل تلك المدة من المحاولة والكثير من توضيح النيّة للأمريكيين والإسرائيليين ولجانب كبير من المجتمع الدولي، لم يجد "أوباما" من يلقي له بالاً بشأن سياساته، علاوةً على تلقيه بعد كل نشاط سياسي أو أمني أو اجتماعي، عواصف وانتقادات قيادية وشعبية حادة ليس من الجمهوريين فقط، بل من الديمقراطيين وأبناء جلدته كذلك، وما زالوا يبذلون من القول بأنه يفشل في سياسته داخل البلاد وحول العالم، وباتت تلك الانتقادات تأتيه من كل جانب ومن كل مكان، حيث مثّلت له منغّصات مؤلمة لا تفتر على مدار الساعة، وما يزيده ألماً أن هذه الانتقادات تسقط عليه تباعاً، فيما لا زالت إدارته تواجه عدداً لا يحصى من الأزمات في شتى أرجاء البلاد والعالم أيضاً.
وعلى الرغم من أنها موجعة وقاسية وعلاجها لا يتم إلاّ في اليوم التالي لانتهاء حكمه، فإن ما أذهب كل مآسيه وآلامه، هو أن
الاستفتاء الاسكتلندي الذي استقر لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة البريطانية، وكان من المتوقع أن يؤدي إلى انفصال أسكتلندا عنها، وقيام دولة جديدة في منطقة أوروبا الغربية، حيث كان يدعو ويتمني طوال الوقت، بأن تبقى
بريطانيا قوية وموحدة، وعلل تلك الأدعية والأماني، على أن المملكة المتحدة هي شريك غير عادي للولايات المتحدة وقوة جيّدة في عالم مضطرب وغير مستقر.
كانت المسألة مثّلت كابوساً قاسياً، لم يُطقه لحظة واحدة، إذ كانت فكرة الاستفتاء بالاستقلال عن بريطانيا ونهاية اندماجها والذي دام منذ 1707، بسبب خشيته أن تدعم تلك الفكرة في صالح من يفكرون في الولايات الأمريكية المختلفة، بالاستقلال عن واشنطن، سيما وأن هناك بالفعل من يفكر ويداوم على التفكير، وقد كانت هناك ملامح لحدوث انتفاضات شعبية في بعض الولايات، وخاصة السوداء منها، وكان على رأسها ولاية ميسوري وسط البلاد، حيث حدثت بها أعمال عنف وفوضى (عرقية) غير مسبوقة، وتهدف إلى الاستقلال، لكن تم إخمادها مؤقتاً بعد لجوء واشنطن إلى دفع الثمن، وبالتأكيد فإن أكثر ما يخشاه "أوباما" هو حدوث قلاقل داخلية، وهو لا يريد أن يختم ولايته بحدوث مصيبة ربما لا تُسجّل في دفتر حياته بمفرده، وإنما ستحجل على السود بجملتهم أيضاً.
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد
كاميرون" أسعد حالاً بعد نتيجة الاستفتاء من "أوباما" الذي استطاع أخذ راحته في أن يفتح شدقيه ويتنفس الصعداء، ويعبّر عن سعادته الغامرة، والتي لم يشعر بها ساعة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ولا حتى في الولاية الثانية، بعد أن حبس طويلاً وشارف على الانفجار، وعلى الرغم من نجاته من الكارثة بأعجوبة، ومشاهدته في ذروة الراحة والسرور، فإن الآمال المتعلقة بشأن إمكانيه نجاحه في تسوية ولو بعض مشكلات العالم ستظل معدومة.