كان حزب الأمة – بزعامة فيلسوفه
أحمد لطفي السيد (1289 – 1382 هـ ، 1872 – 1963م) – يدعو إلى الوطنية
المصرية المجردة من العروبة والإسلام، ويرى أن الجامعة الإسلامية أو العربية كلاهما إستعمار مثل الإمبراطوريات الإستعمارية الغربية!.
ولقد انتمى
طه حسين - (1307 – 1393 هـ ، 1889 – 1973م) – في المرحلة الأولى من فكره إلى هذا الحزب، وكتب في صحيفته (الجريدة) يدعو إلى هذه النزعة، ويقول: "إن الوطنية هي الجامعة الوحيدة المشتقة من الطبيعة، وإذا كانت مصر قطعة من الأرض، فلا شك أن هذه الأرض هي التي تكون منها جسمي، وتتكون منها أخلاقي ونفسي"، كتب طه حسين هذا في عام 1913م، لكنه غير هذه الهوية إلى الفرعونية الرافضة للعروبة والإسلام عندما كتب بمجلة الهلال عدد أبريل عام 1931م فقال: "إن مصر اليوم هي مصر بالأمس، أي مصر الفراعنة، والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيا، فلا تطلبوا من مصر أن تغير فرعونيتها، وإن مصر لن تدخل في وحدة عربية ولا حتى اتحاد عربي".
لكن طه حسين هذا - عبر مسيرته الفكرية الطويلة والخصبة – غير أفكاره هذه عندما ارتبط بثورة يوليو، التي تحدثت - في فلسفة الثورة - عن الدوائرالعربية والإسلامية والإفريقية، فأصبح من أشد المدافعين عن الهوية العربية لمصر، حتى أنه عندما زار الحجاز عام 1955م لحضور المؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية، تحدث عن أن لكل إنسان وطنان، الوطن الذي ولد ونشأ فيه، وهذا الوطن العربي الإسلامي، الذي أنشأه الإسلام، الوطن المقدس، الذي أنشأ أمته وكون عقله وقلبه وذوقه وعواطفه جميعا، والذي هو الصائغ الأول للإنسان عبر الزمان والمكان، وهذا الوطن العزيز هو وطن العروبة والإسلام".
وعندما احتفل المصريون العاملون بالسعودية بطه حسين في جدة - وكان الشيخ محمد متولي الشعراوي من بينهم - قال طه حسين لهؤلاء المصريين: "إن وطن المصريين لا تحده حدوده الجغرافية، وإنما تحده الحدود التي تحد بلاد العرب في جميع أقطار الأرض، وأنتم هنا لستم رسل مصر فقط، وإنما أنتم رسل الإسلام".
وعندما احتفلت به مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر
السعودية، قال للسعوديين: "إننا حين أقبلنا لزيارة هذا البلد الكريم، أحس كل منا أنه يعود من غربته الغريبة إلى وطنه العزيز، فنحن ضيوف في كل مكان من بلاد الأرض، إلا هذا المكان، فنحن فيه أبناء الوطن، إنه ليس وطنكم وحدكم، وإنما هو وطننا الطبيعي الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية، لقد آمنت أن الوطن الصحيح لعقلي ونفسي وقلبي إنما هو هذا الوطن".
هكذا تطورت دائرة الوطن وهويته في فكر طه حسين، من الإقليمية القطرية المصرية الفرعونية إلى الوطن الإسلامي المقدس، الذي صاغ العقل والقلب والذوق والعواطف جميعا، والذي يجمع كل الأوطان الإقليمية في جامعة العروبة والإسلام.
ولقد كانت هذه الرحلة الحجازية بمثابة الفتوحات الربانية لهذا الإنسان الذي كثيرا ما شهدت حياته الفكرية مجازفات تمرد فيها على مقدسات إسلامية، اعترف هو نفسه بأنها قد صدمت الناس صدمة شديدة، فعن هذه الرحلة التي زار فيها مكة والمدينة قال :"إنها قد جاءت تلبية لدعوة آمرة من خارج نفسه، شعر فيها بعودة النفس الغريبة حين تئوب إلى وطنها بعد غربة غريبة طويلة جدا، مدركة لما بين الله وبينها من حساب عسير، وراجية من الله أن يجعل من عسره يسرا"!.
وعندما سئل عن أحب مؤلفاته إليه؟ قال: لا أحب منها شيئا!.
وعندما سئل عن بيت الشعر الذي راق له، والذي يردده دائما؟ قال: "لا أذكر، إنما الشئ الذي لا شك فيه هو أنني أكثر ما أتلو بيني وبين نفسي آيات من القرآن الكريم، وأنا أكثر ترديدا للقرآن من الشعر".
فلما سئل عن الدعاء الذي ناجي به ربه في الحرم؟ قال : إنه الدعاء النبوي: "اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض، لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت".
ولقد أوصى طه حسين بأن يحفر هذا الدعاء على القبر الذي دفن فيه! فهل نبالغ إذا قلنا أن هذه الرحلة الحجازية كانت ميلادا جديدا لطه حسين؟!.