رغم التقارب الأميركي-
الإيراني، وتلاقي المصالح بين البلدين في العراق، إلا أن دينس روس، مستشار الرئيس باراك أوباما السابق، وري تاكيه، الباحث في مجلس الشؤون الخارجية، وإريك إلدمان، الباحث في معهد التقييم الاستراتيجي والميزانية، أكدوا في مقال مشترك نشرته صحيفة "
واشنطن بوست" أن طهران ما تزال التحدي الأكبر لواشنطن.
وجاء في المقال "مع بداية الولايات المتحدة حملتها لتدمير (تنظيم الدولة)، هنا عدة أصوات يمكن الاعتماد عليها تدعو للتعاون مع إيران، ومن بينها وزير الخارجية جون كيري، الذي أكد أن استبعاد إيران من مؤتمر باريس لا يعني أننا نعارض فكرة الاتصال لاكتشاف إن كانوا سينضمون للتحالف، وتحت أي ظروف أو فيما إن كانت هناك إمكانية للتغيير".
ويعلق الثلاثة بالقول "على السطح، يبدو هذا الكلام منطقيا، خاصة أن للولايات المتحدة وطهران مصلحة بهزيمة تنظيم الدولة المعروف بـ (
داعش)، ولكن من الحكمة الانتباه لنقطتين؛ الأولى تتعلق باشتراط كيري المشاركة بناء على إمكانية تغيير طهران لسلوكها، والثانية والتي تتعلق بالبدهية المرتبطة بسياسة الشرق الأوسط وهي أن عدو عدوي ما يزال عدوي. ومن ثم فيجب ألا يسمح لتأرجح الحرب على الإرهاب صعودا وهبوطا، لإخفاء حقيقة أن نظام الجمهورية الإسلامية ومحاولته لقلب النظام الإقليمي يعتبر من أكبر التحديات الناشئة وذات الأثر الكبير على الشرق الأوسط".
وأضافوا أن الجمهورية ليست أمة تسعى لتحقيق مصالحها الشرعية، ولكنها كيان أيديولوجي غارق في مؤامرات مصنعة. وأشاروا إلى "الثيمة" التي يظل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي يرددها في خطاباته، وهي أن الولايات المتحدة قوة متدهورة وتفقد قوتها الداخلية بسرعة كبيرة. وفي منطقة تعمها الفوضى ففرصة إيران كبيرة لإظهار نفوذها وتقويض تأثير الولايات المتحدة ونظام تحالفاتها.
ويشير المقال لفهم إيراني خاطئ مرده، كما يقولون، لمرحلة ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر، وفي أفغانستان بالتحديد، حيث أساءت إيران الفهم من أن أميركا بحاجة إليها لإعادة تأهيل هذا البلد الذي دمرته الحرب.
وقد انتقل هذا المفهوم الخاطئ من أزمة لأخرى، مشيرين إلى أن الدعم التكتيكي الذي قدمته إيران في أفغانستان عام 2001 كان مرده الخوف من كونها الهدف القادم للانتقام الأميركي. وبعد إساءتها استخدام هذه الفكرة تحركت إيران لتمزيق القوات الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، وقدمت السلاح والذخيرة للميليشيات فيهما. وفي نفس الوقت عملت إيران، وبشكل مستمر، على تخريب حلفاء أميركا في الخليج، وعلى تقويض أمن إسرائيل.
ويعتقدون أن مصالح إيران في المعركتين الرئيستين في الشرق الأوسط- سوريا والعراق- متناقضة مع مصالح الولايات المتحدة. فمصالح إيران في سوريا واضحة من المال والنفط والأسلحة والمستشارين، وأهم من كل هذا قوات حزب الله التي دخلت لمساعدة نظام الأسد.
في الوقت نفسه ترى الولايات المتحدة عدم التعامل مع إيران في سوريا ضد "تنظيم الدولة"؛ خشية خسارتها الدعم السني في سوريا الضروري لتدمير "تنظيم الدولة". منوهين إلى أنه "باتخاذنا موقفا حازما في سوريا ضد كل من الأسد و(تنظيم الدولة) فإننا سنرسل رسالة قوية لقادة إيران أن ثمن إثارتهم للمشاكل سيرتفع".
وفي نفس السياق فإن أي تحالف مفترض مع الولايات المتحدة في العراق سيقوض معظم ما كانت الولايات المتحدة تقوم بتحقيقه هناك من مثل تشكيل حكومة تشاركية، دولة موحدة لا تمثل تهديدا على نفسها أو لجيرانها ولا تعتبر قاعدة للإرهاب، بحسب الصحيفة.
وترى الصحيفة أن أحسن وسيلة لتحقيق أهداف أوباما ليس "إضعاف" ولكن "تدمير" التنظيم، باسترداد معظم الأراضي التي سيطر عليها مقاتلو التنظيم في محافظتي الأنبار ونينوى. وهذا يقتضي أكثر من مجرد غارات جوية تدعم عمليات البيشمركة والقوات العراقية ولكن "شراء" أو إقناع القبائل السنية، التي شكلت عصب الانتفاضة ضد القاعدة بزيادة عدد القوات الأميركية – عام 2007، وبالإضافة لهذه السياسة فيجب حصول الحكومة العراقية الموسعة على دعم الدول السنية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة ولن يتم تحقيق أي من تلك الأهداف في حالة ظهور مفهوم عن محاولة للولايات المتحدة عقد تحالف فعلي مع إيران.
ويقول الكتاب الثلاثة "أثناء العقد الماضي، وخلال الإدارتين السابقتين كانت الولايات المتحدة ناجحة في إقصاء إيران عن حلفائها الأوروبيين وحتى زبائنها الآسيويين. لكن واشنطن لم تؤثر على وضع إيران في الشرق الأوسط لدرجة ما. وبعيدا عن صفقات السلاح للدول العربية ومحاولاتها لتهدئة قلق إسرائيل، فلم تقم الولايات المتحدة بأي جهود منظمة لعزل إيران في جوارها الطبيعي، وبدلا من ملاحقتها وهم إقامة علاقات تعاون مع أمثال خامنئي، فيجب على واشنطن الوقوف أمام كل أرصدة إيران. من أحياء الشيعة الفقيرة حول بغداد إلى ميدان المعارك في سوريا، ويجب أن تواجه إيران واقعا قاسيا وهي تحاول البحث عن شركاء".
ويختم الكتاب بالقول "تقف الولايات المتحدة على النقيض لإيران من منظور السياسة في الشرق الأوسط. فالدوافع الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية وانتهازيتها المحضة تجعلها حليفا غير مناسب للغرب. ويجب ألا يعمينا في هذه الحالة تصادف تلاقي المصالح المشتركة في مواجهة "تنظيم الدولة" عن
التهديد الدائم الذي يمثله الملالي للولايات المتحدة".