لا يمكن لشخص يزعم أن في قلبه شيئا من الوطنية أوالعروبة أوالاسلام أن يمد يده لأمريكا أو اسرائيل ليحارب معهما اى كيان أخر حتى لو كان هندوسيا، فما بالك أن هؤلاء الاعداء الجدد المزعومين يتحدثون العربية ويدينون بالاسلام، وينتصرون لاناس ابرياء قتلوا وسجنوا واغتصبت نسائهم على مرآى ومسمع من العالم دون ان نجد اى خفقة تعاطف من هذا الشخص.
ليس ذلك فحسب، بل ان هذا الشخص كان شريكا أصيلا في الوصول بهؤلاء الضحايا الى مرحلة الانتكاس والانكفاء، ما ترتبت عليه رغبة عارمة في الخلاص وبأى ثمن وتحت أى شعار.
قطعا.. عرفتم عمن أتحدث؟
فليس من الوطنية ابدا ان نحول جيش
مصر الذى نتمنى له النجاة الى مجموعات من المرتزقة طوع اشارة أمريكا وكل قوى الامبريالية الغربية , ونزج به في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل -بعد التغاضى عن وحدة الدين والقومية والجنس والتاريخ والجغرافيا وكل ما درسناه قديما في التربية القومية عن الوحدة العربية وما درسناه أيضا في الدين عن المقاصد الاسلامية الخمسة التى يجب أن يناصر المسلم فيها المسلم- ونوليه أينما ولت أمريكا وجهها، فتارة نرسله ليحارب ما تسميه الامبرالية بالديكتاتورية البعثية التى يمثلها صدام حسين ونسقط العراق في "مفرمة" كبري سقط على اثرها قرابة مليونين ونصف المليون شهيد وملايين اللاجئين في الخارج.
وتمر عدة سنوات ما كاد يضمد العراقيون فيها جراحهم وينسون قتلاهم، حتى نرسله مرة اخرى ومع نفس القتلة ليحارب ما تسميه أمريكا "الارهاب" الذى تمثله دولة الاسلام في العراق والشام ونقتل ملايين اخري من اهلنا في العراق.
والسؤال: بما انك لم ترسل قواتك لمساندة الشعب العراقي الشقيق الذى تجرع الشقاء ألوانا جراء العدوان الامريكى الاطلسى، بل كنت شريكا للعدو في جريمته, فلماذا نراك تذرف الدمع اليوم على ما تسميه "الارهاب"في العراق , حينما جاء من يناهض العدو الامريكى؟فى الحقيقة أن لا املك معلومات كثيرة عن تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق المختصر بـ"
داعش" , ولا ابرأها ولا أدينها , فهى واحدة من الميليشيات التى تفشت في العراق مؤخرا كما يتفشى النار في الهشيم , وادانتها او تبرئتها يجب ان يأتى فى اطار عام لادانة ما حدث في العراق بعد الغزو الصهيوامريكى له في 2003.
ولا اخفيكم ان المنطقة العربية عاشت استقلالا وهميا في منتصف القرن الفائت .. وهذا الاستقلال الوهمى انجب بالطبع نظم حكم مشوهة لتتناسب مع تلك المجتمعات المشوهة والتى يجري تسطيحها وتجهيلها اعلاميا وحصرها في نزاعات سياسية ومذهبية واقتصادية واجتماعية مفرغة وبالتالى نتج عنها نخب سياسية مشوهة والذى من الظلم البين حصرها في التيار الاسلامى.. وهو التيار الذى لم يحكم لكى نلقي عليه مسئولية السواد الذى نعيشه..
ومن الجور ان نتهمه تعميما بالخيانة بينما رأيناه هو من يتصدر كل المواقف الرافضة للعدوانات المتتالية على غزة بدليل انه حينما اختفي الاسلاميون من المشهد في مصر ولهم عذرهم لم نري تظاهرات رافضة للعدوان الاخير على غزة.. ومن قبل غزة رأيناهم يملأون الميادين رفَضا للعدوان على العراق التى كان يحكمها نظام قومى بعثى .. فى الوقت الذى ايد العسكر وقطاع كبير من نخب كامب ديفيد هذا العدوان وراحت تبرره ..
إذن فالاسلاميون هم جزء أصيل من الحراك الرافض للهيمنة وليسوا من صناعه ..إن أردنا الانصاف.واذا استطاعت الامبريالية خداع بعض قادة التيار الاسلامي وزجت بهم في معارك لم يكونوا هم جناة ثمارها بسبب عدم النضج السياسي .. فهذا لا يعنى انهم عملاء وخونة.. فعدم النضج السياسي قاسم مشترك لدى جميع النخب والتيارات السياسية والفكرية في العالم العربي عامة والمصري خاصة..
فلدينا فى مصر نخب سياسية ليبرالية تؤمن بقطع لسان من يتكلم وتبرر التشدد في قطع الألسنة .. ونخب اشتراكية لا يعنيها اذلال العمال والفلاحين وتزايد حدة الفقر والاستغلال بقدر ما يعنيها الحق في الشذوذ الجنسي والتهكم على الله .. ونخب قومية وناصرية تهلل للعدوان الصهيونى على غزة وتقدم لاسرائيل الشكر وتزغرد للتحالف مع أمريكا وبريطانيا وكل قوى الامبريالية والاستعمار لقتل اشقاء في الوطن والدين والجنس واللغة ولكنهم يخالفونهم في التوجة الفكري اقل بكثير مما تخالفهم به أمريكا التى يتحالفون معها..
فكيف لنا ان نعيب كل التيار الاسلامى ان تطرف منه فريق واستغلته الصهيونية لنيل مآربها كما نالته من كل التيارات الفكرية الاخري من قبل ومن بعد.يجب علينا التحلى بالانصاف في معالجة خطايانا .. فمثلا .. بعض الاسلاميين اخطأوا في مناصبتهم المذهب الشيعى العداء .. ولكن ليس كل الاسلاميين يناصبون الشيعة العداء.. بل حينما زار الرئيس الايرانى مصر في عهد الدكتور محمد مرسي وبدأت صفحة تقارب جديدة بين مذهبي الأمة وجدنا الصحف التى يستولى عليها عتاة الليبراليين واليساريين يتهمون مرسي بتشييع مصر..كما ان هناك شيعة غلاة يناصبون السنة ايضا العداء.
وبعض الاسلاميين اخطأوا في دعمهم لتنظيم القاعدة الذى لم يجلب على المسلمين الا الخراب فاحتلت بذريعته افغانستان والعراق .. ولكن تنظيم القاعدة لم يمنح اراضي عربية لامريكا وبريطانيا وفرنسا لبناء قواعد اجنبية ويتم تدمير العراق وقتل الملايين من شعبه من خلالها كما فعلت كل دول الخليج والاردن ومصر.. ولم يرسل قواته معهم لغزوه كما فعلت مصر والاردن وسوريا ضد العراق عام 1990 وبعده.. ولذلك فلو كنا منصفين لقلنا ان داعش - وهى حركة مشبوهة بالقطع - لم تدمر العراق ولكن دمره الاحتلال الامريكى الذى هللت له نخب "الأمنجية" المسيطرة علي كل التيارات الفكرية العربية والمصرية.
واذا كان الاسلاميون شاركوا في احداث ليبيا فدول الخليج كافة وأهمها الامارات والسعودية هى من قامت بدور رأس الحربة مع قوات الناتو وهذه النظم وكل نخبها هللت.. وما حدث في ليبيا حدث ايضا في سوريا.
والواقع يقول ان الاستبداد السياسي طغى بعفنه على كل المشهد العربي .. فاذا انصلح المشهد السياسي .. قطعا ستتطهر النخب والجماعات بكل افكارها واولها التيار الاسلامى الذى تلقي دروسا سياسية قاسية خلال السنوات الماضية جعلته صار عصيا على الاستغلال من قبل الامبريالية مجددا - وهو للانصاف استغلال حدث مع جميع التيارات الفكرية في عالمنا العربي.
وانا حزين حقيقة على مستقبل بلادنا لأننا انفقنا عمرا طويلا لاقناع التيار الاسلامى بأهمية الانخراط في العمل السياسي والتغيير عبر الصناديق , ولكن في ثانى تجربة لهم - مصر بعد الجزائر - على التوالى مع الصناديق يجدون ان عواقب ما تفرزه لهم هو الحرق والخنق والشنق والطعن والسجن والاغتصاب والاقصاء والتشريد بطريقة ما كانت لتحدث لو انهم حملوا السلاح منذ البداية ونبذوا لعبة الصناديق كما كانوا من قبل.
وهناك مجموعة من المعلومات والاستدلالات يجب الاشارة اليها حول المنطق الامريكى في التعامل مع القضايا العربية ويمكن تطبيقها بشكل ما على نظم الحكم في دول الموالاة كمصر مثلا:
* طريقة أداء الولايات المتحدة عادة في الدول الموالية لها في الوطن العربي تتم عبرثلاثة لمراحل :- الدعم القوى للنظام الذى هو من صناعتها ويدين لها بالولاء مع مراقبته حتى لا يكبر بطريقة ما وتكبر في عقل قادته فكرة التحرر والاستقلال.
- خلق معارضة لهذا النظام كبديل عن المعارضة المحلية الوطنية الراغبة في الاستقلال التام وتمويلها ومساندتها للقيام بدور المعارض الحقيقي ولتعطيل حركة الاستقرار في هذا البلد.
- متى اشتدت حالة الحنق والغليان المحلية ضد النظام تقوم الولايات المتحدة بتجهيز المعارضة المصطنعة للاطاحة بالنظام والهدف من ذلك منع المعارضة الوطنية من الوصول للسلطة.
* ان الربيع العربي الذى شاهده وطننا العربي في السنوات الماضية كان في الاصل تطبيقا لخطة أمريكية قديمة تسمى "الترميم والهدم"وتقضى بترميم نظم الموالاة لاحكام السيطرة الامريكية عليها وهدم دول الممانعة وادخالها في دوامة الفوضى..
وتمت عملية الترميم في دول الموالاة بالتنسيق الدقيق بين الولايات المتحدة واجهزة مخابرات وجيوش تلك الدول ولاقت استجابة شعبية واسعة على أمل التحرر والرفاهية لكن تم تحويل الحلم الى كابوس مرعب حينما وجد الناس ان النظم التى ثاروا عليها تعود اكثر اجراما واستغلال وظلما , بينما كان الحال في دول الممانعة هو استدراج كارهي الاستبداد من التيارات الاسلامية لاحداث مواجهة مع هذه النظم واضعافها ثم تتدخل الارادة الامريكية بعد ذلك بالقضاء على الخصمين معا , وهو ما حدث في ليبيا وسوريا , ولذلك فاننى اقول للسيد قذاف الدم , توقف عن دعم حفتر فهم أشد خصومة لك ممن يحاربونه , فهو ممثل لامريكا التى اسقطت القذافي.
* الولايات المتحدة تسعى دوما لاذكاء الصراع السنى الشيعى في المنطقة العربية وجعل هذا الاختلاف المذهبي أتون موقدة تحرق كل شئ عربي وكل أمل في التحرر والعيش الكريم.
* الولايات المتحدة ستقشل اية محاولة تقارب بين التيارين الاسلامى والقومى, وهى تدرك تماما أننا وطن يسير بجناحين فاذا انكسر له جناح بالطبع سيبقي دائما وطنا ساقطا, والجناح الاسلامى بالقطع يشمل السنة والشيعة , اما القومى فيشمل كل من يتكلم بلغة الضاد.