لا أحد يعلم خبايا المفاوضات غير المباشرة الدائرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين فى القاهرة، ولا نعلم تفاصيل اتفاق التهدئة، وهل أخذت
المقاومة بالفعل، الضمانات التى طلبتها كشرط لقبول وقف اطلاق النار؟ وما هى هذه الضمانات؟ وهل التزم بها باقى الاطراف ام أنهم راوغوا كالمعتاد؟
لا نعلم شئ من كل ذلك، ولكننا نستطيع ان نتوقع ونرصد طبيعة المفاوضات الدائرة الآن، ومواقف كل الأطراف، من واقع الأجندات المعلنة من كل منهم والتى بدأوا يعبئون ويحشدون فى اتجاهها بعد توقف القتال مباشرة.
الإسرائيليون أعلنوها واضحة منذ اللحظة الأولى انه يجب نزع سلاح غزة، وانه يتحتم ربط الاعمار بنزع السلاح، وانه يجب مراقبته من قبل اسرائيل والمجتمع الدولى، لكى لا تستخدم أمواله فى إعادة بناء الأنفاق مرة أخرى، وانه لا فك للحصار على المعابر الا ان تسلمتها
السلطة الفلسطينية وراقبها الاتحاد الاوروبى وفقا لاتفاقيات المعابر الموقعة فى 2005. كذلك اعلنت اسرائيل انها ضد المصالحة الفلسطينية وحكومة التوافق الوطنى على طول الخط، وان على السلطة الفلسطينية وابو مازن ان يختاروا بين اسرائيل وبين حماس.
السلطة الفلسطينية من ناحيتها أعلنت خطتها وموقفها أيضا بعد الحرب، فهى ضد كل ما يجرى فى غزة، ضد المقاومة وسلاحها وحربها، فقرار الحرب والسلام يجب ان يكون قرارا واحدا، والسلاح الفلسطينى سلاحا واحدا فى يد سلطة واحدة، وحكومة الظل فى غزة تسيطر على كل شئ، وان المقاومة كان لها دورا رئيسا فى استفزاز إسرائيل وإيقاع كل هذا العدد من الضحايا ، وان على الفلسطينيين ان يدركوا انهم لا قبل لهم بمواجهة اسرائيل عسكريا، وان الانتفاضة ومن باب اولى المقاومة هى بمثابة الكارثة على القضية الفلسطينية، وانه لا بديل عن التنسيق مع الاسرائيليين من اجل حماية الشعب الفلسطينى ولمصلحته(مع العلم بان اول مهام التنسيق هو مطاردة المقاومة فى الضفة الغربية ونزع سلاحها) .
اما الادارة
المصرية فموقفها أيضا واضح وصريح، فمصر ملتزمة باتفاقية سلام من اسرائيل، وهى بالنسبة لها حجر الزاوية فى سياساتها واستراتجيتها الاقليمية والدولية، وهذه الاتفاقية تضع أمن اسرائيل وأمن الحدود المصرية الاسرائيلية، ومراقبة غزة وسلاحها ومقاتليها، على رأس أولوياتها فى كل القضايا والمسائل والأزمات التى تتعلق بالملف المصرى الاسرائيلى الفلسطينى.
هذا بالإضافة الى متغير آخر وهو قيام النظام المصرى الجديد برفع درجة التنسيق الأمنى المصري الاسرائيلي الى أعلى مستوى، كمدخل مضمون الى الفوز باعتراف أمريكى دولى به، وهو ما ترجم فى هدم الأنفاق مع اغلاق المعبر فى ذات الوقت فى سابقة لم يفعلها نظام مبارك نفسه، مع إطلاق حملة تشهير وشيطنة لكل ما هو فلسطينى حتى أثناء العدوان الصهيونى، الى درجة أن الاعلام المصرى كان يهاجم الفلسطينيين اثناء الحرب لأنهم تحفظوا على المبادرة المصرية أكثر مما كان يدين العدوان نفسه.
***
أما المقاومة الفلسطينية، فأجندتها هى ايضا معلنة، فهى تريد فك الحصار تماما، وإلغاء القيود على حركة الافراد والبضائع على المعابر بما لا يخالف القوانين المصرية التى تنظم الحركة على أى معبر مصرى آخر، وتطالب بمطار وميناء كباقى شعوب الأرض فى بلاد الله الواسعة، و تريد الإفراج عن الأسرى الذين تم توقيفهم قبل العدوان وأثناءه، وتؤكد ان سلاحها غير قابل للتفاوض.
***
خلاصة المشهد اذاً، أننا لسنا فى حقيقة الأمر بصدد مفاوضات رباعية، وانما بصدد محادثات ثنائية بين جبهتين؛ الجبهة الاولى تضم مصر واسرائيل والسلطة الفلسطينية فى مواجهة طرف وحيد هو المقاومة الفلسطينية. اننا فى الحقيقة بصدد مفاوضات "ثلاثة على واحد".
فثلاثة أطراف من أربعة تتفق على ضرورة نزع السلاح الفلسطينى، وعودة السلطة الى غزة، وفرض سيطرتها على المعابر والإعمار، وعدم الاعتراف بشرعية المقاومة طالما لم تعترف باسرائيل وتسلم سلاحها.
وهو ما يمكن ان يعطى مؤشرات قوية على الاحتمالات الكبيرة لتعثرها وفشلها، خاصة مع ما بدأ يجرى الآن من حشد اسرائيلى ودولى لمئات من المراقبين الدوليين(جواسيس) للدخول الى غزة بهدف مراقبة الاعمار وضمان عدم بناء الأنفاق مرة أخرى.
فى النهاية، ان لم تتراجع المقاومة و تتنازل عن مطالبها "المشروعة"، فان النتائج لا تبشر بخير، وان كنا جميعا نتمنى عكس ذلك، وندعو لأهالينا فى الأرض المحتلة أن يفك الله أسرهم وكربهم وحصارهم .
[email protected]