كتاب عربي 21

أردوغان والحرب على داعش

راميا محجازي
1300x600
1300x600

توافق دولي - تركي على أهمية التدخل البري من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وفي المقابل توافقت على الأراضي السورية المشتعلة الجبهات الإسلامية المقاتلة على الأرض، في عدم شرعية الانضمام إلى قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية من أجل القضاء على قوات التنظيم والقتال ضده - على الرغم من أن معظم الجبهات الجهادية في سوريا لم تعلن انضمامها للتنظيم أو دعمها له أو موافقتها على نهجه وسياسته الدموية إلا أنها تتحفظ على قتاله بأذرع أميركية لم تطل الأسد وحلفائه الشيعة ولم تعده إرهابيا مع كل ما استخدمه من أسلحة محظورة وما ثبت ارتكابه من فظائع بحق الإنسانية - ناهيك عن أن معظم الفصائل المقاتلة أعلنت استياءها من عمليات التحالف الدولي وضرباته التي تقصف حممها على الأراضي السورية، دون أن يكون لها بنك أهداف واضح، ودقيق، وترسخت قناعة الأهداف التجارية بما تبتزه الغارات من أموال المتضررين دون تحقيق كسب يذكر، لقد استنجد الشعب السوري بالدول الصديقة لحماية ما تبقى منه واستئصاله لا من أجل تدمير مقدرات البلاد، ويبدو أن نظام الأسد لم يتأثر فما زالت البراميل المتفجرة تسقط على الرؤوس وتدمر المساكن، وما زالت سمومه تقتل الأبرياء، وقد أضاف التحالف إلى تدمير الأسد تدميراً لبنية سوريا ومقدراتها، أيعقل أن إدارة التحالف الدولي ضد داعش والذي بات يضم اليوم أكثر من خمسين دولة مشاركة، غير قادرة على تحديد معاقل التنظيم بدقة؟ وإن كان هذا، فهل تملك هذه القوات الحق بالضرب العشوائي والذي يذهب ضحيته المدنيون الأبرياء دون ذنب؟


وعندما نسمع أن معظم هذه الدول قد اتفقت على أن داعش تنظيم إرهابي يعمل بأسلوب العصابات ولا يمكن القضاء عليه إلا بالتدخل البري، فهنا عليها أن تبرر وتوضح للشعب السوري لماذا لا يتم التدخل البري ومواجهة التنظيم على الأرض وهو الأجدى والأقل تكلفة من الناحية العسكرية والأكثر دقة وفاعلية وخصوصاً عندما تكون الحرب حرب عصابات ويتحول القتال داخل المدن السورية إلى قتال شوارع كما يحدث اليوم في كوباني عين العرب. الجواب معروف لا تريد أن يدفع أبناؤها ثمن حرب مقابل أرباح يمكن جنيها من استهلاك السلاح، أما تسليح المعارضة السنية المعتدلة فهذا مالا ترضى به إيران، ولا يتوافق مع مصالح تجار الحروب لأنه ينهي الحرب بسرعة بقطع رأس الإرهاب.


تركيا تدرك هذا جيداً لذا ما زالت حذرة من زج قواتها وجيشها في معارك ضد داعش والتدخل بريا لإنقاذ كوباني التي تحاصرها قوات التنظيم من ثلاث جهات، على الرغم من أنها تدرك تماما بأن الأعلام السوداء يمكن أن ترفرف على حدودها في أي وقت، فثمة خلاف بينها وبين أمريكا حول الأولويات: تركيا تهدف إلى قطع رأس الإرهاب وتجفيف منابعه، وأمريكا تتخذ من طرف الذنب هدفاً لذلك يتأنى أردوغان الموصوف بالدهاء في اتخاذ الخطوة القادمة التي يريدها ناجعة بأقل الخسائر ريثما تتحقق شروطه الثلاثة: أن تهدف الضربات إلى إزالة الأسد، وإقامة حظر جوي، وإنشاء منطقة عازلة، دون أن يقلل من أهمية التجاور الحدودي مع تنظيم متطرف إرهابي حسب وصفه، فقد جاور الأسد الذي تفوق في إرهابه، وأسقط أوراقه المكشوفة: العلويين والأكراد والكيماوي، فلم تكن عاصفة الأكراد على أرضه سوى زوبعة في فنجان ولم يكون العلويون أتباع الأسد إلا غنماً أحسن رعيها، أما الكيماوي فإنه هدف مرصود في عيون لا تغفل.

بكل تأكيد سترحب إدارة التحالف الدولي ضد داعش، بالتدخل البري التركي للقتال داخل الأراضي السورية، وكذلك تبدو إيران التي دعت تركيا عبر المتحدثة باسم خارجيتها بالتصرف بمسؤولية تجاه الأحداث في المنطقة والنظر بنظرة واقعية لما يحدث في مدينة عين العرب كوباني وأن تعمل على الحد من توسع الأزمة.

لا نعتقد بـأن أردوغان سيسمح بأن يدفع أبناؤه ثمن حرب هو في غنى عنها، ويفضل أن يبقي قواته في حالة تأهب عال على الحدود مع سوريا في معركة ستستنزف الكثير من طاقاته وقد تتسبب في نقل المعارك إلى داخل الأراضي التركية، وتغرق تركيا في أزمة حقيقية ما زالت تحاول أن تتجنب الوقوع فيها وخصوصا بعد اشتعال المناطق الحدودية مع سوريا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى لازال موقف المجتمع الدولي غير حاسم تجاه الأسد وحليفته إيران وبالتالي فلا تستطيع الحكومة التركية ضمان استقرار حدودها وعدم حدوث تعديات انتقامية من قبل نظام الأسد الذي يتبجح إعلاميا اليوم بوجود أربع منشآت كيماوية لم يعلن عنها لفريق التفتيش الدولي.

الائتلاف السوري المعارض صرح عبر وسائل الإعلام سابقا بأنه يرحب بتدخل القوات البرية التركية جنبا إلى جنب مع القوات العربية والجيش السوري المعتدل الذي يتم تدريبه حاليا للمشاركة في المعارك على الأراضي السورية، ويمكن أن نعتبر هذا التصريح بمثابة تشجيع لأردوغان على عدم التردد في الدخول بقواته ومساندة التحالف والثوار في معاركهم ضد داعش، إلا أن أردوغان ما زال مصمما على حسم الأمور مع عدوه الأكبر بشار وما كانت مطالبته بإقامة مناطق حظر جوي مؤشرا على مخاوفه من تطور قدرات تنظيم الدولة في العراق والشام لتشمل السلاح الجوي، بقدر ماهي نوع من المخاوف المشروعة من تهور نظام الأسد وحليفته إيران وشنهما ضربات جوية على تركيا، خاصة أن إقليم الشرق الأوسط اليوم منقسم إلى مناطق مشتعلة وأخرى ساخنة ولا يمكن للحكومة التركية إلا أن تأخذ هذا بعين الحذر.

زمن الحروب الباردة ولى، والحاجة لإشعال منطقة الشرق الأوسط أتت لإنعاش الصناعات العسكرية، لقد كانت ثورات الربيع العربي، السوق المنقذ لما تملكه روسيا والصين من أسلحة قديمة واليوم قوات التحالف بدأت تجرب أحدث أسلحتها الجوية لأول مرة على الأراضي السورية والعراقية، وربما بعد أن تنهي تجاربها وتنعش صناعاتها الحربية والعسكرية، وترسم الشرق الأوسط الذي تريد، ستمنح المنطقة فترة لتستعيد توازنها بينما يحين موعد تجاربها الجديدة لتخلق أسداً جديداً ومعمراً جديداً وبغدادياً جديداً، فتختلق مبررا لحروب على المنطقة يتاح لها من خلالها تصريف قديم سلاحها وتجربة ما هو جديد.
التعليقات (0)