المتعارف عليه، سياسيا واقتصاديا، عدم ربط الملفات التجارية والاقتصادية بالتغييرات التي تطال الملف السياسي، حتى لا تتأثر مصالح المستثمرين
المصريين أو واردات مصر من السوق التركية، وضرورة الفصل بينهما، فقد ألغت الحكومة اتفاقية
النقل البحري مع تركيا، وأخطرت
أنقرة بذلك، تعبيرا عن الموقف السياسي للحكومة ردا على الموقف السياسي لتركيا تجاه الأوضاع السياسية في مصر، هذه الاتفاقية المفترض أن تنتهي في مارس 2015، والتي تسمى "الرورو"، قرار خاطئ له
خسائر عديدة على الاقتصاد المصري:
1- سيؤدى القرار رفع فاتورة الواردات من تركيا والتي تبلغ حالياً 3 مليار دولار، حيث سيتم الغاء تخفيضات الجمارك على هذه الواردات، وبالتالي لن تتمكن مصر من الحصول عليها من دول بديلة بنفس الأسعار التركية، وأيضا سيرفع أسعار هذه السلع للمستهلك مما سيزيد الأعباء، وسيؤثر على دخول الصادرات المصرية لأوروبا، حيث تنص الاتفاقية على تسهيلات ودعم تركى لدخول الصادرات المصرية الى الأسواق الأوروبية.
2- سيؤثر على الاستثمارات التركية، فيوجد بمصر 20 مصنعا تركياً، بهم 25 الف عامل، يتم تصدير منتجاتهم لنحو 27 دولة، حيث ان المواد الخام لهذه المصانع تستورد من تركيا، مما سيرفع التكلفة ويؤثر على هذه الاستثمارات، وربما نقل الاستثمارات خارج مصر، فيزيد البطالة ويمنع الاستثمارات، وايضاً سيؤثر على القعود الآجلة للمستثمرين، وربما الغائها، ويترتب عليه رفع أكثر للأعباء على مصر نتيجة حدوث ارتباك فيما تم بين المستثمرين الاتراك وغيرها من المصريين وتأثير ذلك على الإنتاج، فله تأثير أيضا على انتاج المصانع التي ترتبط باستيراد المواد الخام من تركيا، والقرار سيسبب اضراراً بالغة للمستثمرين الاتراك، الذين سيتحملون تكاليف نقل مرتفعة، لإيصال بضائعهم الى السوق المصرية، حيث القرار مفاجئ، مع ان معظم العقود والنشاطات التجارية للأتراك تمت في المستقبل بناء على هذه الاتفاقية وبناء عليها تم تقييم مكاسبهم، ولم يتوقعوا الغائها.
3- ستتعرض الحكومة المصرية للمقاضاة دولياً، لأنها قامت بإلغاء الاتفاقية قبل موعدها، دون اتفاق الطرفين، مما سبب خسائر للمستثمرين الاتراك، وهذه قضية سيحصل عليها المتضررين على تعويضات، تضاف لعدة قضايا مرفوعة دولياً من قبل شركات للحصول على تعويضات نتيجة نقض الحكومة لاتفاقات مبرمة او تعديل لقوانيين دون الرجوع الى ما تم واتفق عليه، سيحمل ذلك الدولة مزيداً من الأعباء خاصة انها بالعملة الصعبة.
4- يؤثر على الحركة بقناة السويس وخاصة سمعة القناة الجديدة، ويمنع من تحويل مصر الى مركز لوجستي عالمي، ويسئ الى سمعة مصر، حيث الاتفاقية بحرية، وليست سياسية، والضرر الواقع يتعلق بالاستثمارات الخاصة الاجنبية، ومن ثم سيمنع قدوم استثمارات أخرى، في ظل حكومة لا تعرف الفرق بين القرار والموقف السياسي، والقرارات الاقتصادية.
5- هناك صناعات معينة ستتأثر بسرعة، بإلغاء هذه الاتفاقية، مثل اعلاف الحيوانات، حيث تعتمد مصر على استيراد المواد الخام من تركيا لمصانع الاعلاف، سيرتفع السعر وسيزيد من مشكلة اللحوم، وستتأثر صناعة الدواجن والتسمين، ومعظم الملابس المستعملة المستخدمة في مصر تأتى من تركيا (نحو 90% من الملابس المستعملة)، والتي يعتمد عليها المستهلك البسيط ومحدودي الدخل، وأيضا معظم شباب الجامعات ومن ثم سيرتفع أسعار هذه الملابس ويتأثر مشتريها برفع الأسعار.
6 – تعتبر تركيا من اهم أسواق استيراد الأرز المصري، حيث تستورد تركيا معظم احتياجاتها من الأرز من مصر ( نحو 60% من احتياجات تركيا من الأرز)، وبذلك فقدت مصر أهم أسواق الأرز الدولية، وليس بسهولة إيجاد أسواق مماثلة في ظل منافسة الأرز التايلندى واصناف أخرى، ومن الصعب إيجاد هذا السوق مستقبلاً، مما يفقد الأرز ميزته النسبية في أهم الأسواق، وخسارة لمنتجيه والتجار.
هذه الاتفاقية تمت في عهد الرئيس محمد مرسى، لتسهيل دخول المنتجات المصرية الى أوروبا، وخلق خط ملاحي بين الموانئ المصرية والتركية بديلاً عن سوريا، وتسهيل مرور البضائع التركية لدول الخليج وافريقيا عبر مصر، مما سيحقق لمصر فوائد وعوائد عديدة، كما انتجت استثمارات بمليارات الدولات، علاوة على الاعتماد على المواد الخام الازمة للاقتصاد المصري، والتي لا تتوفر محلياً والاستفادة بأسعار مخفضة لمصر، وغيرها..
الحكومة المصرية تقضى على الاقتصاد وعلى مؤسساته، انتقاماً من الموقف التركي السياسي، وهذا غير معروف دولياً، حيث تفرق الحكومات بين القرار السياسي والقرار الاقتصادي، فالحكومة ستحكم وتمضى لكن مصالح المواطنين والاستثمارات ستبقى وهذا ما ترفضه عقلية الحكومة المصرية.
* محلل وخبير اقتصادي