حين يغلق أحدهم الباب أمام محبط .. فيما يستقبله الآخر ويلامس أحلامه، ويأتيها من أضعف ركن فيها، فالأول يحمل مسئولية الجريمة منذ التخطيط وحتى التنفيذ.
***
عندما يكون هم السلطة الأول أن تعزل
الإسلاميين بما لهم من قدرة على الحشد، وتنظيم، وزخم شعبي عن أي حراك ثوري، ثم يأتيك من الصف الثوري من يخبرك أنه لا هم له بدوره سوى عزل الإسلاميين، فنحن أمام "مسخرة" سياسية لا تحتملها أجواء العزاء التي لا تلبث أن تغادرنا حتى تبادرنا.
***
يبدو السؤال الذي يطرحه المقال تجديفا ثوريا يفترض النقصان في قوى جرى تداول سيرتها بوصفها طاهرة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، هنا يتجاوز السؤال دين
الثورة، إلى هرطقة متهمة ابتداء بالتأخون، قبل أن تتجاوزها إلى ما يجود به صاحب دكان المزايدات من بضاعته التالفة.
فليكن، بوضوح أرى أن 6 إبريل، هنا والآن، أكثر خطورة بما تتبناه من خطاب ساذج، وخفيف، وغير مسئول من خطر داعش نفسه.
هذه تركة ورثناها جميعا، جزء منها التيار الإسلامي، بما يحمل من مرارات الاضطهاد، التي يشاركه فيها آخرون بطبيعة الحال، وبما له من تصورات طوباوية تفصله عن هموم الآخرين، بتعظيم همه الذاتي عما سواه.
لا يتسع المقال، ولا المقام، لتفريع من شأنه أن يقف بنا على أسباب سياسية، محلية وإقليمية، وخارجية بطبيعة الحال، ساهمت في تغذية هذه التصورات، وتضخيمها، وأعادت إنتاج مفاهيم مستقرة، كالجهاد مثلا، وحلحلتها، بالانتقاء الجزافي، الاعتباطي، من التراث، والتوقف أمام قراءات جزئية، وانتزاعها من تاريخيتها، وتعميمها، بحيث تبدو في نظر المتابع، الكلمة الأخيرة، التي يخشى الجميع الاعتراف بها.
هنا، يرفض شباب التيار الإسلامي الانحياز لهذه القراءات، لكن تظل جزء من ذاكرته اللاواعية، تفيض به وقت الأزمات، وانسداد الآفاق، وتعذر الفعل.
الإسلاميون لا يبتزوننا، كما يحلو لبعض المراقبين أن يردد استسهالا، هم بالفعل أسرى مظلومية تاريخية ، ربما تبدأ من سقوط الخلافة نفسها بوصفها نهاية للقيمة الزمنية لكل ما هو إسلامي – في نظرهم – وتمتد مع
الحكم العسكري طوال 60 عاما في تشابكات إجتماعية مؤلمة تصل إلى حد الاستبعاد من الوظائف العليا، والمناصب الأكثر اقترابا من دوائر التأثير، ورفض القبول في كليات بعينها ولو تحققت كل شروط الكفاءة، بالإضافة إلى
الإقصاء السياسي.
وأمام سيل من التنظيرات السلبية للديموقراطية، بوصفها منتج غربي دخيل، تتبنى كبرى التنظيمات الإسلامية في العالم خطاب ديموقراطي، وتوافق على خوض اللعبة بقواعدها، وتكسب، هنا تبدو الديموقراطية أملا حقيقيا لتجاوز أزمة التحقق، إلا أن أخطاء الممارسة المتوقعة تحول دون اكتمال التجربة.
وتبدو داعش في الأفق، حلا "أصيلا" – وفقا لصورة ذهنية زائفة – في مواجهة آخر مائع، لم يصمد أمام أول مواجهة مع دبابات العسكر، البقاء للأقوى.
التفاصيل المرهقة التي تتعلق بممحاكات سياسية ونضالية هنا وهناك لن تغني عن كوننا تورطنا جميعا في "دعشنة" مفهوم الديموقراطية "المشوش" لدى شباب هذا الجيل من الإسلاميين، فيما ظل وحده يكافحنا، ويكافح ماضيه، وأخطاء قياداته، ويموت كل يوم لعام ونصف أمام الآلة القمعية العسكرية محاولا استدعاء آخرين بكل الوسائل من الاستجداء إلى سب الدين، دون جدوى.
مللنا .. فلتحترق القوى المدنية، يقولها الشباب الإسلامي على صفحات مواقع التواصل بحق، نشاهدهم في التليفزيون، ونسمع أخبارهم ونتابعها كأننا من سكان جزر الملاديف، وحين نحرك خطابات ثورية في المجال العام لتجاوز صمت القبور إلى سكانها، نحركها ضدهم هم !!!
الحاصل، لا أعرف السيد "قشطة" الذي سمح لنفسه باحتكار الخطاب الثوري وتوزيع صكوك جنة المناضلين محددا بدقة من هو مرحب به في الحراك الثوري ومن هو مستبعد، ولا يعنيني أن أعرفه، فالقضية الآن أكبر من أن نتركها لأمزجة مناضلي المؤتمرات الصحفية الذين لا يملكون على الأرض موضع أقدامهم، ولولا مزيد من الإصرار والضحالة ما استمروا وما سمح لهم، فالاستمرار من الأولى، ومباركة الدولة من الثانية.
رفاهية الخلاف جريمة، وبشكل واضح، ودون مواربة، الاتفاق أو الاختلاف على موقف الإخوان من الديموقراطية، ليس بيت القصيد، وسواء آمنت بواقع نشهده يوميا على الأرض يقول بأن ثمة جيل مختلف أنتجته الثورة وصقلته محنة ما بعد الانقلاب داخل صفوف الجماعة أم لم تؤمن، فأنت لا تملك سوى الاعتراف بأنهم موجودون رغم أنف المزايدات، وفاعلون، ولديهم من الدوافع والإمكانات ما يؤهلهم للاستمرار، ولن ينتهوا، كما أن لديهم من الانحيازات السياسية، أيا كانت بواعثها، تطهرية وملائكية أم دنيوية رخيصة، لا تؤمن في أعماقها بالديموقراطية، ما يجعلهم حليف قوي في مواجهة عصابة مسلحة ستلعب بكل ما لديها من أوراق لتحمي فرصتها الأخيرة في السيطرة على البلاد ونهب مواردها.
ليت الخيار الثاني هو الفشل، ونجاح العسكر، فإذا أردنا أن نضع أنفسنا أمام مسئولياتنا، ونتجاوز الاستجابات الصبيانية لخطر حقيقي، وكارثة توشك أن تقع في صفوف جماعة الإخوان، فسندرك أن مثل هذه الخطابات التي تحيي وتميت بمنطق النمرود، لن تجد من الكثيرين من شباب الإخوان سوى إعادة النظر فيما تركوه وراء ظهورهم من تنظيرات الدواعش، حينها، لن تكون معركة جيل جديد مع حكم عسكري، ستكون معركة المستقبل العاجز مع الماضي الأكثر رسوخا وصلفا، تدور عجلة التاريخ في الفراغ، وتصبح فكرة الوجود ذاتها عدمية.
نقطتان قبل المغادرة:
الأولى تتعلق بما وراء الكاميرا من شخصيات ثورية محترمة، وعقول أكثر ثقافة ووعيا آن لها أن تتنازل عن ترفعها المبدئي، وتتصدر، قبل أن يذهب التافهون بما تبقى من ثورة ووطن.
والثانية، هي أن 6 إبريل فصيل ثوري محترم، له في ذمة الأيام سبق وفضل، وما طرحه بعض المحسوبين عليه من خطاب يفتقد إلى صائغ "ماهر" لا يعني نسيان مآثره، إنما أردت بعنوان المقال أن أستدرج القاريء إلى شرك الانتباه.