نعم وأعلنها ملء الشِّدقين، لا أتحاشى، ولا أُوَرِّي، أو ألمِّحُ بها تلميحا، بل هي صريحة فصيحة، بلا الْتِبَاسٍ، ولا مغمغة.
كافر أنا بكل العقول الرّاجحة، والآراءِ السّديدة، والعقلانيةِ الرّشيدة، التي يُروّج لها البعض، وهي في جوهرها لا تزيد عن إسدال الستار على الجريمة، في لحظة مفاصلة تاريخية بين الحق والباطل، ولمصلحة الباطل، وبلا منازع!!
الأصوات الطيّبة الشَّفُوقة، أشغلتنا في الأيام الفائتة، وهي تَضع المنديل على فم الضحية وأنفها، وتمنح المجرم فرصته الذهبية، كي يُسْكِنْ ذبيحته بشفرته، ويُسْكِتَها إلى الأبد، حين يُنادُون بمخرج للمشروع الإسلامي من مأزقه - خصوصا بمصر - ويقوم هذا المخرج على خطوتين جريئتين للجماعة:
أولاهما: حل التنظيم الدولي للإخوان وهو عنوان شكليٌّ اعتمد عليه الفريق المقابل لإجهاض التجربة، والثانية: بيان تُعلن فيه الجماعة للشعب
المصري تنازلها عن حقها في استعادة كرسي رئاسة الجمهورية، الذي حصلت عليه بانتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وتترك الأمر للشعب المصري كله؟!!
فَتَلقّفتِ العقولُ النّيرة هذا الطرحَ اللَّحُوحَ، مِن قريحة أبي الفُتوح، وقامت تلوح فيه ما كانت تلوح، لتقدّم جرعة عافيةٍ وثقةٍ لحلف الرّدة، طالما انتظرها، مع أنه في طور الزعزعة والفوضى وفقدان السيطرة، مما دفع بعض دول الاتحاد الأوروبي قبل يومين لتقليل تمثيلها الدبلوماسي معه أو تعليقه، إمّا لمؤشرات تُنبئ بحتمية سقوط الانقلاب، وإما بترتيب خبيث يخبئُ وراءَه موجة جديدة من الفوضى، تعطي الإذن بتوسيع دائرة البطش، أو يصيب البلد بشلل يُهيئ لاستبدال السيسيّ، بسيسيِّ أكثر لباقة وأهليِّةٍ، بعد الصفعة التي تلقّاها حلف الرّدة برداءة اختياره، حين اختار هذه الشخصية الفقيرة العاجزة الفارغة، لتمثله في الانقلاب على الشرعية!!
كل ما قيل عن أخطاء الإخوان، وضعف خبرتهم، وعجز أدواتهم، وقلة مرونتهم، وتحجّر قادتهم، وجهلهم في السياسة وإدارة السلطة، وعدم أهليّتهم للحكم، كل هذا محض افتراء وكذب وتضليل، ودجلٍ وتزوير مقصود، وخبث ومكر أثيم، وإن انطلى على بعض الطيّبين، فجرت به ألسنتُهم، وكان المنتظر منهم أن يقولوا: {سبحانك هذا بهتان عظيم}.
وإلاّ، فليسال كل الطيّبين والخبثاء أنفسُهم: هل النظم العربية من محيطها إلى الخليج مؤهلة.. مدربة.. حذِقة.. مبدعة.. ؟! وهل هي أقدر من الإخوان في امتلاك فنون الحكم - وبعضها كما تعلمون لا يَفُكُّ الخط - أم أنها مستقرة فيه بناء على توافقات، تضعُ مَصلحة الآخر(العدو) في رأس أولوياتها، ولا تتجاوز إملاءاته قيد أنملة؟!
وهل حين تتجاوز هذه الأنظمة تلك الإملاءات ستبقى مبدعة حبيبة، أم ستتحول فورا إلى قوى الشّر والظلام، وتصبح كالإخوان عنوانا للفشل، ومقدمة للخطر على المجتمع والسلم الدوليين، ويجب أن تنتهي تجربتها؟! وما العراق وصدام - غير الإسلامي - منا ببعيد؟!!
هؤلاء الذين يتباكون على الضحايا والدماء، ويخافون على مصر ، ويهدفون بطرحهم هذا إلى حفظ الدولة، ومقدراتها من الدمار والهدر، هل يسمحون لنا أن نسألهم ببراءة: أين مصر منذ عام 1973م؟! وأين مقدّراتها؟ وأين جيشها؟ وأين سياستها الرّشيدة في خدمة شعبها؟ وأين دورها المؤثر في قضايا أمتها التاريخية؟ وصراعها الأبدي مع عدوٍّ عنوانه: {ولا يزالون يقاتلونكم، حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا}؟!!
هل دور مصر وحلف الرّدة والانقلاب - منذ ذلك التاريخ - مؤثر فاعل في اتجاه منع حدوث هذه الردة، أم هو مجتهد في تحقيقها لهم؟!!
هل من الممكن أن تسألوا غزة والقدس وسيناء منذ عام 2006م على الأقل عن هذا الدور؟ وهل تحتاجون أن نذكّركم بالإجابة؟!!
اسمحوا لي أن أتلمظ غيظا وأقول: بعد كم مليون سنة، يمكن للإخوان أن يأخذوا فرصتهم في الحكم، إذا كانت هذه هي طبيعة المعركة، وهذه هي حقيقتها بلا أدنى ريب، ولن تتغير مهما تطاولت الآماد؟!!
عيبُ الإخوان الحقيقي أنهم آمنوا بالديمقراطية، وصدقوا أكذوبتها، وشعوذات كهنتها والأجراء!! هذا هو الذي يحرص كل المهزومين روحيا، وأخلاقيا من النظم وكوادرها وأحلافها، والدامعين من الطيّبين على ترسيخه في العقل الباطن للمسلمين عموما!! وهم المسؤولون علن المشهد الذي سيكون عنوانه في المستقبل غير البعيد (عليَّ وعلى أعدائي)؟ يقولها ضمير الشباب المسلم المحبط غير المنتظم في عموم الأمة كلها، خارج إطار الجماعة، وفكرها وسياساتها!!
ألا ترون كيف يأخذ العلماني والشيوعي واللاديني والديني فرصته في الحكم في كل الدنيا، بلا أدني حساسية، حتى إذا جاء الدور للإسلامي: جهاديا كان كـ(طالبان) أو سلفيّا كـ(سلفيي الجزائر) أو (إخوانيًّا) كما في مصر، قام من ينقلب عليهم، ويحظر عليهم التجربة، ويعمل على إفشالهم في السياسة وعرقلتهم في السير ، والضغط عليهم في الاقتصاد، فإن فشل في ذلك كله انقلب عليهم بالعسكر المستأجر أو المستورد، وأراق الدم، ثم يأتي الطيّبون جدا في كل مرة، ليطلبوا من الضحية أن تنزل عن دمها، صيانة للدولة، التي هي في الحقيقة دولة الخدمة للمستعمر، لا الخدمة للأمة ومتطلبات نهضتها؟!!
لن أطيل البحث والكلام في هذا، فالأمر يطول، ولكن قد أقدّم المقترح المنطقي الموضوعي والشرعي كمخرج للأزمة قد يكون أكثر عدالة وأهدى سبيلا!!
ورجائي من العقلانيين الطييبين الشفوقين على ثوار مصر وأحرارها، أن يُريحوا أنفسهم، ويُوفروا نصائحهم ومبادراتهم؛ لأن أحرار مصر لا يسمعون بهم، ولا يسمعون إلا من ضمائرهم، وحقهم، وجروحهم، وأحلامهم، ويحتسبون ذلك في سبيل ربهم، وهو ناصرهم لا محالة!!