كتب فهمي هويدي: الخبر الجيد أن المحكمة الأوروبية قررت رفع اسم
حماس من قوائم المنظمات الإرهابية يوم الأربعاء الماضي (17/12) ــ لكن الخبر المحزن والمحرج أن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة كانت قد قررت في 4 مارس الماضي اعتبار حماس منظمة إرهابية، وقضت بحظر أنشطتها وغلق مقراتها ومصادرة أموالها في مصر. أما كيف ولماذا حدث ذلك، فإليك الحكاية.
كان
الاتحاد الأوروبي قد أدرج حماس ضمن المنظمات الإرهابية في عام 2001، إلا أن الحركة طعنت في الحكم. وفي يوم الأربعاء الماضي أصدرت المحكمة الأوروبية حكمها بإلغاء قرارات مجلس الاتحاد الأوروبي بذلك الخصوص، الأمر الذي لا يشمل المنظمة وحدها، ولكنه يسري أيضاً على جناحها العسكري. وهو حكم ابتدائي قابل للاستئناف في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر، علماً بأن قرار المحكمة يقضي أيضاً بمطالبة الاتحاد الأوروبي بدفع جميع المصروفات والرسوم المتعلقة بإجراءات نظر القضية.
القرار له قيمته القانونية والسياسية أكثر من قيمته العملية، ذلك أنه لن يغير من موقف الاتحاد الأوروبي، حيث ستظل أموال حماس مجمدة مثلاً، إلى أن يحسم الأمر بصورة نهائية أمام محكمة الاستئناف، حيث ذكرت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي أنه يجري بحث استئناف الحكم أمامها خلال الفترة المقررة. وقد تزامن صدور قرار المحكمة مع اعتراف البرلمان الأوروبي وبرلمان لوكسمبورج بدولة فلسطين، وهو ما يعزز الرياح السائدة الآن في أوروبا التي تبنت موقفاً إيجابياً بصورة نسبية إزاء فكرة الدولة الفلسطينية.
رد الفعل
الإسرائيلي إزاء ذلك التطور مفهوم. فقد نقلت وكالات الأنباء على لسان وزير الاقتصاد الإسرائيلي قوله إن قرار المحكمة الأوروبية «غير أخلاقي»، أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد عبر عن غضبه قائلاً إن أوروبا لم تتعلم من المحرقة، مشبهاً حماس والمقاومة الفلسطينية بالنازيين.
قرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة كان حكماً في قضية رفعها أحد المحامين اتهم فيها حركة حماس بارتكاب جرائم في حق مصر، ذكر منها اقتحام بعض عناصرها للحدود في عام 2008، واتهام عناصرها باقتحام السجون المصرية. وهو ما استجابت له المحكمة فأصدرت حكمها باعتبار حماس منظمة إرهابية استناداً إلى علاقتها التاريخية مع الإخوان. ومن ثم قررت حظر أنشطتها وغلق مقراتها والتحفظ على أموالها (رغم أن الحركة ليست لها مقرات أو أموال في مصر).
يبدو المشهد عبثياً وغير قابل للتصديق، ذلك أنه حين يصدر قرار المحكمة الأوروبية بهذه الصورة الإيجابية رغم كل ما تختزنه الذاكرة العربية من خلفيات أسهمت بها أوروبا في نكبة الفلسطينيين، ثم أن يتم ذلك بعد صدور حكم المحكمة المصرية على النحو السابق ذكره، فإن ذلك قد يعني لأول وهلة أن ثمة خطأ ما قلب الآية وأخل بالنواميس. إلا أننا إذا دققنا في المشهد جيداً فقد نقتنع بأن المشهد يمكن فهمه وله ما يفسره. ذلك أن المحكمة الأوروبية احتكمت إلى الاعتبارات القانونية والموضوعية وتصرفت بحسبانها جهة قضائية مستقلة، بدليل أن قرارها جاء معارضاً لموقف الاتحاد الأوروبي الذي كان قد أدرج حماس ضمن المنظمات الإرهابية في عام 2001.
أما المحكمة المصرية للأمور المستعجلة فقد تصدت لأمر لا ولاية لها عليه، لا من حيث الاختصاص ولا من حيث الاستعجال. ذلك أن القضاء المستعجل فرع عن القضاء المدني الذي ينظر في المنازعات المالية للمتقاضين، وحين يكون موضوع النزاع مما لا يحتمل الانتظار الذي قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح أي من المتقاضين، فإن القضاء المستعجل يصبح البديل المطروح لإعطاء كل ذي حق حقه بإجراء مؤقت.
وكون حماس منظمة إرهابية أو غير إرهابية شأن أبعد ما يكون عن القضاء المدني ولا مجال لطرحه أمام القضاء المستعجل. وإذا ما قبلت محكمة الأمور المستعجلة نظر الموضوع رغم ذلك، فإن الأمر يخرج عن نطاق القانون، ويصبح إجراء سياسياً يوظف القضاء لتحقيقه.
بكلام آخر ــ وبصراحة أكثر ــ فإن تجريم حماس بدا لدى البعض باعتباره ضرورة سياسية وبديلاً لا مفر منه اقتضته التطورات التي شهدتها مصر. ولكي ندرك ذلك ينبغي أن ننتبه إلى أن ذلك التجريم لم يتم إلا بعد عزل الدكتور محمد مرسي في شهر يونيو عام 2013. وقبل ذلك التاريخ لم تكن هناك أي إشارة في الوثائق المصرية إلى دور حماس في الأحداث الداخلية التي شهدتها البلاد.
وذلك واضح في تقريري تقصي الحقائق اللذين أعدهما رجال القضاء عن أحداث الثورة وفترة حكم المجلس العسكري؛ حيث لم يذكر أي منهما أن حماس كانت طرفاً في أحداث هاتين المرحلتين. إلا أن الموقف تغير تماماً بعد عزل الدكتور مرسي الذي أصبح بمنزلة طوق نجاة استثمرته الدولة العميقة.
ذلك أن اتهام الحركة بالمسؤولية عن بعض الأحداث والجرائم التي وقعت، كان الخيار الأفضل والمتاح لتبرئة عناصر المؤسسة الأمنية الذين وجهت إليهم أصابع الاتهام في حوادث فتح السجون وقمع المتظاهرين وقتل بعضهم، إذ بعد أن ظلت وسائل الإعلام تتحدث عن «طرف ثالث» وراء ما جرى، وجدت الدولة العميقة ضالتها في حركة حماس، لتكون ذلك الطرف الثالث الذي كان من اليسير تحميله المسؤولية بما جرى، ساعد على ذلك أن ريح السياسة كانت مواتية بسبب اشتباك السلطة مع الإخوان في مصر وعلاقاتهم التاريخية مع حركة حماس معروفة، وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن تجريم حماس جاء متجاوباً مع الأجواء السياسية، وضرورة اقتضتها محاولة تبرئة رجال المؤسسة الأمنية، وأنت سيد العارفين بأن للضرورة «أحكاماً»، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وإذ عرف السبب بطُل العجب.
(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية 20 كانون الأول/ ديسمبر 2014)