تختلف مظاهر وعادات الاحتفال بالمولد النبوي في
الجزائر من منطقة إلى أخرى لكن القاسم المشترك بينها هو ما يسمى محلياً "حرب
مفرقعات"، التي تخلف في بعض الأحيان إصابات خطيرة لدى الأطفال وحتى كبار السن.
لكل منطقة في الجزائر عاداتها وتقاليدها في الاحتفاء بمولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ففي شرق البلاد، يعد سكان المنطقة طبقي "الشخشوخة" و"الثريدة"، وهما طبقان من العجين يُعدّان بلحم البقر أو الغنم والخضروات، بينما في العاصمة ووسط البلاد عموماً فنجد طبق "الرشتة" أو "الكسكسي" وهما طبقان من العجين أيضاَ يعدان بلحم البقر، وفي غرب البلاد هناك طبق "البركوكس" وهو عبارة عن حبيبات من الدقيق ممزوجة مع مرق به خضروات.
واحتفالات الجزائريين بمناسبة ميلاد النبي محمد تعود إلى سنة 691 هـجرية، حين أصدر السلطان الناصر لدين الله أبو يعقوب المريني، الذي كان في المغرب الأقصى - المغرب حالياً -، أوامر سلطانية جعل على إثرها
المولد النبوي الشريف عيداً رسمياً كعيدي الأضحى والفطر، ويعاقب كل من يمتنع عن ذلك.
لكن هذه المناسبة حسب كثير من الأئمة في الجزائر خلال خطبهم التي تسبق المناسبة "أُفرغت من محتواها"، كونها تحولت إلى "لهو ولعب بالألعاب النارية لدى أطفال، كان الأجدر بآبائهم أن يحفروا في أذهانهم مناقب النبي الكريم".
ألعاب نارية في المولد
ورغم اختلاف عادات الاحتفال بالمولد النبوي لدى الجزائريين إلا أنّ ما أضحى قاسماً مشتركاً بينهم في السنوات الأخيرة، هو ظاهرة
الألعاب النارية التي أخذت منحى خطيراً، جراء الحوادث المأساوية التي خلّفتها خاصة لدى الأطفال الذين يستهويهم تفجير المفرقعات.
وبدأ الاحتفال بالمولد النبوي مبكراً في شوارع الجزائر، حيث نُصبت طاولات كبرى لبيع الألعاب النارية التي تستهوي الأطفال والشباب، وأضحت الأحياء الشعبية مسرحاً لـ "حرب مفرقعات" حتى قبل وصول المناسبة المقررة السبت وهي عطلة رسمية في البلاد.
وقال المكلف بالإعلام بالمستشفى الجامعة لمحافظة وهران كمال بابو، إن "المستشفى استقبل العشرات من الأطفال العام الماضي، تعرضّوا لإصابات بليغة بسبب سوء استعمال الألعاب النارية التي انفجرت بهم"، مضيفاً أن "الطوارئ ومصلحة الحروق، استقبلت حتى أرباب عائلات كانوا ضحية للألعاب النارية التي رماها عليهم أطفالهم".
ومضى بابو قائلاً: "هناك حالات خطيرة لضحايا المفرقعات وصلت إلى حدّ بتر أصابع اليدين".
وأطلقت المديرية العامة للدفاع المدني في الجزائر قبل أيام حملة توعوية، حذّرت من خلالها من مخاطر استعمال الألعاب النارية في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
وجاء في البيان الذي أصدرته المديرية، أنّ "الاستعمال المفرط والخطر للألعاب النارية والمفرقعات التي تعد محظورة يتسبب كل سنة في جروح خطيرة للأشخاص، ونشوب حرائق في السكنات والمؤسسات العمومية"، داعياً إلى "عدم استعمال هذه المواد داخل المنازل والمستشفيات وبالقرب من السيارات ومحطات البنزين والمدارس وعدم تركها في متناول الأطفال".
وبالرّغم من كل هذه التحذيرات إلا أن تجارة المفرقعات انتعشت قبل حلول مناسبة المولد النبوي، حيث يشهد في كل سنة شارع "راندو" وبالضبط بمحيط جامع فارس بالقصبة السفلى بالجزائر العاصمة، وكذا سوق المدينة الجديدة بمحافظة وهران، وسوق دبي بمدينة العلمة (500 كلم شرق العاصمة)، إقبالاً كبيراً للزبائن لاقتناء مختلف أنواع الألعاب النارية، حيث يتعدّى ثمن المفرقعات من الحجم الكبير الـ4000 دينار جزائري (40 دولاراً) للمفرقعة الواحدة.
وكثّفت إدارة الجمارك الجزائرية من جهتها عمليات المراقبة والتفتيش في الموانئ لمصادرة الحاويات المحّملة بالألعاب النارية، إلا أنّ ذلك لم يحدّ من انتشار تجارة المرفقعات، بسبب الحيل التي بات ينتهجها بعض المهربين، الذين يمرّرون كميات هائلة من المفرقعات عبر الحدود الشرقية والغربية للبلاد.
ويبقى المشهد الطاغي على احتفالات الجزائريين بالمولد النبوي، هي سحب الدخان التي تلبّد سماء المدن، كلما اقترب موعد هذه المناسبة الدينية، بفعل الإفراط في استخدام الألعاب النارية، التي تنتهي في كل مرّة ببعض مستعمليها في المستشفى.