في عام 1387م؛ أرسى الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدوادار، قواعد "خان" (فندق) على مساحة 16 دونما، يربط بين القاهرة ودمشق، بأمر من السلطان الظاهر برقوق أحد سلاطين المماليك الشراكسة.
وكان الخان معلما حضاريا أسس لتاريخ مدينة
خان يونس الواقعة جنوب قطاع غزة، وازدادت أهميته حين تم تحويله إلى "قلعة" حصينة؛ لتبقى شاهدة على مجازر
الاحتلال الإسرائيلي في تاريخنا المعاصر.
أهمية سياحية وعسكرية
يقول رئيس قسم الإرشاد السياحي والأثري في وزارة السياحة والآثار بغزة، حسن أبو حلبية، إن "الموقع الاستراتيجي للقلعة على بعد 20 كم من الحدود
الفلسطينية المصرية؛ منحها أهمية اقتصادية كبيرة، حيث كانت محط رحال التجار حين كانت أشبه بالفندق".
وأضاف أنها "اكتسبت أهمية عسكرية، حين عمل على ترميمها حاكم سنجق غزة أحمد باشا آل رضوان، وحولها إلى قلعة شامخة عام 1687م"، مزودا إياها بالوسائل الدفاعية المختلفة، كـ"الفتحات الصغيرة المنتشرة على امتداد جدرانها لسكب المياه النارية من خلالها، وفتحات تسمى (المزاغل) يستطيع من خلالها الجندي المتحصن داخل القلعلة أن يرمي سهامه على من يحاول اقتحام القلعة ويقتله دون أن يراه".
وأوضح أبو حلبية أن القلعة بقيت حصنا منيعا حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1917، حيث دمرت الزوارق البريطانية العديد من مبانيها، مشيرا إلى أنها "مع مرور الوقت؛ تعرضت للنهب والتدمير، ولم يتبقَّ منها إلا السور الغربي؛ شاهداً على روعة بنائها المعماري".
وقال إن "الخان بني من طابقين؛ خصص الطابق السفلي لاستراحة عامة الناس، بالإضافة إلى توفره على مخازن للبضاعة، بينما احتوى الطابق العلوي على غرف للراحة يستخدمها التجار للاحتماء من اللصوص وقطاع الطرق، بالإضافة إلى غرف مخصصة للعلماء وطلبة العلم يجتمعون فيها لتدارس العلوم المختلفة".
وأضاف: "تضم القلعة مسجدا للصلاة، ومئذنة على يمين البوابة الرئيسة، وأبراجا دائرية استخدمت وقت الحروب، مشيرا إلى أنها تُعد "نواة مدينة خان يونس".
شاهدة على المجزرة
من جانبه؛ أكد الشيخ أسامة بربخ، أحد وجهاء خان يونس، أن الأهمية التاريخية التي اكتسبتها القلعة زادت بعد العدوان الثلاثي على فلسطين، وارتكاب الاحتلال الصهيوني
مجزرة بحق أهل مدينة خان يونس في عام 1956م، "حيث ارتقى مئات الشهداء الذين أُعدموا أمام أعيننا بدم بارد" كما قال.
وعبّر بربخ لـ"عربي21" عن أسفه "لحالة
الإهمال التي وصل إليها هذا المكان التاريخي"، داعياً المؤسسات الرسمية والأهلية إلى "ضرورة الاعتناء به ليبقى شاهداً على جزء هام من تاريخ الشعب الفلسطيني".
واقترح على وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن تخلد ذكرى الشهداء الذين قضوا في المجزرة المشار إليها، بنقش أسمائهم وصورهم، وقال: "يجب أن نهتم بقلعة برقوق، فلولاها لما وُجدت مدينة خان يونس".
وتعرضت القلعة إلى عمليات هدم وتدمير ونهب في عهد الانتداب البريطاني والحكومة المصرية، لتؤول أخيرا إلى سعي الاحتلال الإسرائيلي لطمس معالمها الشاهدة على جريمته من خلال قصفه ما تبقى منها.
مخاطر تهدد القلعة
في هذا السياق؛ يقول مدير مركز عمارة التراث في الجامعة الإسلامية بغزة، الدكتور محمد الكحلوت، إن "قذائف الاحتلال الإسرائيلي، وصواريخه، وغاراته الوهمية، تعمل على تصدع الأماكن الأثرية، ما يهدد بانهيارها إذا لم يتم ترميمها بشكل عاجل".
وأضاف الكحلوت لـ"عربي21"، أن "الإهمال من قبل الجمهور الفلسطيني يمثل عاملاً آخر يهدد وجود القلعة"، لافتاً إلى أن "موقعها في مركز المدينة يجب أن يحثنا على الاهتمام بها أكثر، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية".
وحذر من مطالبة البعض بإزالة القلعة وإقامة مركز تجاري مكانها، واصفا تلك المطالبات بـ"التنكر لتاريخ المدينة وعراقتها".
ونوّه إلى أن "افتقاد القلعة لوسائل التكنولوجيا الحديثة، من تدفئة وإنارة وغيرها، من شأنه أن يؤدي إلى حالة من العزوف والهجر لهذا المكان الأثري، وغيره من الآثار الإسلامية في محافظات قطاع غزة".
وطالب الكحلوت وزارة السياحة باعتبارها "المسؤول المباشر على حفظ ورعاية التراث الفلسطيني ومعالمه"، بأن "تخصص ميزانية لتنفيذ مشاريع ترميم وتطوير الآثار والمعالم التاريخية في قطاع غزة".