منذ 25 يناير الماضي بدأت الثورة في
مصر في التحول.
سعت الثورة الأصلية في 25 يناير 2011 إلى إقصاء حسني مبارك وإرساء قواعد حكومة قائمة على العدالة الاجتماعية الإسلامية، دون التطرق إلى كل من الدولة العميقة في مصر وبنية القوى العالمية التي تتحكم فيها.
هذا العام بدأ الثوار في مواجهة الاثنين معا، فبعد عدة انتفاضات وأربعة حكومات على الأقل خلال أربع سنوات الماضية، والقليل جدا من التغير الحقيقي في السياسات، اتضح للثوار من كل الأطياف السياسية أن مصر في الحقيقة مهيمن عليها بعمق من قبل القوى الخارجية بما يشكل بصورة أساسية نظام تحكم إمبريالي.
تحت حكم
السيسي ظهرت هذه الديناميكية بصورة أوضح عن ذي قبل، فقد دفع نظام السيسي بتغييرات درامية في السياسات بسرعة وقوة لا توجد بصورة طبيعية إلا عندما يكون للرئيس تفويض شعبي ساحق، رغم أن السيسي لم ينتخبه إلا قلة ضئيلة من حاملي الأصوات المصريين.
يتضح من ذلك أن أنصاره وناخبيه لم يكونوا من السكان المحليين، وأن التفويض الذي أُعطي له لم يكن من قبل من يحكمهم، ولكن من قبل من وضعوه في السلطة، والسياسات التي يفرضها تثبت ذلك إلى بعد حد.
رفع الدعم عن الوقود والطعام، رفع سعر الوقود، تخفيض دعم الدواء، تخفيض قيمة الجنيه المصري، الإسراع في الخصخصة، منع تحديات الطرف الثالث لنشاطات المستثمرين الأجانب، صياغة قانون استثمار موحد (مكتوب تحت إشراف المستثمرين الأجانب أنفسهم)، تسهيل شراء الأراضي للمستثمرين الأجانب أكثر من ذي قبل، كل ذلك ما هو إلا تدابير طلبها صندوق النقد الدولي ومجتمع الأعمال الدولي والنخبة المحلية الذين تتوافق مصالحهم مع مصالح مالكي رأس المال العالميين.
و لذلك حكم الثوار بصورة صحيحة -من خلال هذه التطورات- أن حكومة مصر لا تحكم مصر، ولكن هي نفسها محكومة من قبل القوى العالمية التجارية.
بدءاً من 25 يناير قام الثوار بتعطيل عناصر عديدة من نظام الشركات العالمي في مصر، من وسائل نقل الشحنات إلى شركات الاتصالات، من امتيازات شركات الطعام السريع إلى مولات التسوق.
هدفهم على المدى القصير هو عرقلة القمة الاقتصادية المزمع عقدها في 13 آذار/ مارس، التي من المتوقع أن تجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم للمزايدة على شراكة بين القطاع الخاص والعام، على مشروعات هائلة، وفرص أخرى للمستثمرين الأجانب لتوسيع وجودهم وتأثيرهم في مصر.
من المحتمل أيضا أن تؤدي القمة إلى ضمان قرض مشروط من صندوق النقد الدولي، وأن تفتح الأبواب لطوفان من الدائنين العالميين .
إن الاستثمارات المتزايدة والقروض لن تؤدي فقط إلى دعم تحكم الاستثمار الأجنبي في مصر، ولكن أيضا إلى تطبيع حكومة الانقلاب واستقرار وضع السيسي وكذلك الإسراع في تحول اقتصاد مصر إلى الليبرالية الجديدة بصورة أكبر.
إن الاستراتيجية الجديدة للثوار تمثل تطورا مهما، ليس فقط في الفهم والتكتيكات والأهداف، ولكنها أيضا تظهر نظاما أكثر منهجية.
في السابق كان نشاط المعارضة نشاطا رمزيا بصورة كبيرة، كان تعبيريا ومنظما يدور حول الاحتفاليات المقامة في ذكرى تواريخ مهمة للثورة أو التاريخ السياسي المصري.
إن التأثير الحقيقي لمثل هذه الأنواع من الاستراتيجيات لا يمكن قياسه وا يوجد له نتائج محددة، في الحقيقة يمكن أن يكون له تأثير "فض حشود" النشطاء، والذين قد يشعرون بالأسى بعد مخاطرتهم بأرواحهم وحرياتهم بينما لا يحصلون علي أي تأثير يمكن قياسه.
إننا نرى الآن الثوار يحددون أهدافا معينة ذات تأثير محسوس على استمرارية الانقلاب؛ تعطيل عمليات الشركات ليس غامضا، بل يخلق حقائق واضحة على الأرض لا يمكن تجاهلها، وهذا في حد ذاته يشكل قوة دافعة للنشطاء.
إذا تم إلغاء القمة الاقتصادية في مارس المقبل أو إذا فشلت في تحقيق توقعات النظام، فإن الثوار يكونون قد حققوا نصرا واضحا في طريق كفاحهم.