قال الرئيس الإيراني حسن
روحاني، إنّ إيران لا تفعل شيئاً في لبنان وسوريا والعراق واليمن غير مكافحة
الإرهاب! وهذه «جرأة» ضخمة من جانبه لعدة أساب: الأول أن مقولته تستبطن نتيجةً مؤداها: أن على الولايات المتحدة أن تتسامح وتتنازل ما دمنا نقاتل أعداء مشتركين، ولذلك فنحن حلفاء للولايات المتحدة باعتبار أن عدوَّنا واحد. والسبب الثاني لاعتبار مقولته جرأة أنه يُسلِّمُ للحرس الثوري بالقيادة في صنع السياسة الخارجية، فالحرس الثوري هو محور سياسات خامنئي في العالم العربي والعالم الأَوسع، بينما يريد روحاني التوفير في الإنفاق على المغامرات الخارجية. كما يريد الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بأي شكل من أجل رفع الحصار.
فالوضع الاقتصادي سيئ، وهو يزداد سوءاً مع انخفاض أسعار
النفط انخفاضاً كبيراً. لكنه بهذا الاستنتاج الضخم يضع نفسه وسياساته بأيدي الحرس الثوري، أي بأيدي صناع الحروب وتجارها، وهذه أمور لا تحتملها دولة تحترم نفسها في المدى المتوسط. والسبب الثالث أنه يتجاهل حقائق ساطعة عرفنا أن المسلحين من الحرس الثوري والمليشيات التابعة له تجاهلوها دائماً عبر إصرارهم على تخريب المجتمعات، والقتل ونشر الفتن الدينية بين الشيعة والسنة. وقد سبق لروحاني نفسه أن قال إنّ التدخل في شؤون الآخرين لا يفيد أحداً، وقد يُغرق إيران في المستنقعات!
لكن كيف تكافح إيران، ومعها الحرس وروحاني، الإرهاب؟!
غزا الأمريكيون العراق، وأدخلوا معهم إلى البلاد المغزوّة المليشيات الشيعية التي شكّلها الإيرانيون لمعارضة صدّام حسين. وقد حكم زعماء هذه المليشيات العراق، وازدادوا عدداً وعُدَّةً، وهم اليوم زُهاء 14 مليشياً. وبعد المقاومة المسلَّحة التي أشعلها السنة ضد الأمريكيين، عادوا فدخلوا العملية السياسية التي أصر المالكي، ومن ورائه الإيرانيون، على تدميرها. وعندما نشبت الحركات المدنية في العالم العربي، تظاهرت المحافظات السنية بالعراق سلمياً زُهاء عام ونصف العام، لكن المالكي تصدى للمتظاهرين بالسلاح، وكانت النتيجة انفجار «داعش» قبل ثمانية أشهر. فعندما تسحق الحراك المدني، سيخرج عليك أُناس من نفس الصنف القاتل والمحترف للمليشيات التي كوَّنتْها إيران وقادها سليماني!
إثر مقتل رفيق الحريري عام 2005، نشب حراك سلمي سُمّي بثورة الأرز، من أجل الخلاص من النير السوري ومن «حزب الله». وبعد مواجهات في تظاهرات ضخمة ومتضادّة، عمدت مليشيا «حزب الله» إلى ضرب الحراك المدني عام 2008 باحتلال بيروت بالسلاح. وقد تعطّلت الحكومات التالية تحت وطأة السلاح. والآن لدينا مجلس نواب ممدد له لمرتين، ويكاد يمضي عام والبلاد دون رئيس جمهورية. ولست أدري أين هو الإرهاب الذي يكافحه الحزب بلبنان!
وانطلق حراك مدني بسوريا عام 2011 ضد نظام بشار الأسد. وما كفى قمع الرئيس السوري لذاك الحراك منذ الأيام الأولى، بل إنّ «حزب الله»، ثم المليشيات الشيعية الآتية من العراق واليمن وأفغانستان بقيادة إيرانية، تدخلت لضرب الحراك المدني، والحراك المسلح. فكما في كل الحالات، فإنه عندما عجز الحراك المدني السوري عن تحقيق أهدافه بالسلم، انتشر السلاح. وعندما ازدادت الوطأة القاتلة من النظام، ومن إيران ومليشياتها، ظهر القاعديون والداعشيون.. إلخ. وحتى الآن، وبعد أربع سنوات، فإن معظم القتال ضد المتطرفين، قام ويقوم به السوريون الثائرون ضد بشار الأسد، وليس الجماعات الإيرانية.
وانطلق حراك مدني باليمن عام 2011، ولكي لا يتطور الأمر إلى صراع أهلي، تدخلت الدول الخليجية، وأرغمت الرئيس صالح على الاستقالة، وأنشأت بمساعدة الأمم المتحدة مرحلة انتقالية تنتهي إلى دستور جديد توافقي بل إجماعي من خلال حوار وطني. وقد شارك في الحوار الحوثيون، وهم مليشيا مثل «حزب الله» أنشأتها إيران في قلب المجتمع الزيدي. وقد ظننا أن المبادرة الخليجية سوف تنجح. لكن المليشيا الحوثية وبدفْع من إيران وتآمُر مع الرئيس السابق لليمن، احتلت المدن بما فيها صنعاء، وعطلت كل المؤسسات، وبحجة الإصلاح ومكافحة الفساد أولاً. والآن بحجة مكافحة الإرهاب!
لا أساس إذن لمكافحة إيران للإرهاب. أما كلام روحاني فهو محاولة لاكتشاف مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، شأنه في ذلك شأن بشار الأسد والمالكي والقذافي.. إلخ.
(نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)