تبعد بلدة
شيخستريرا 300 ميل عن العاصمة
النرويجية، قريبا من جبال فيورد. وتعد منطقة معروفة للتزلج وهواة التمشي، ويعيش سكانها البالغ عددهم 2700 نسمة بهدوء بعيدا عن الجدل.
وتقول مجلة "نيوزويك" إن شيخستريرا ستستقبل قريبا إحدى الشخصيات المثيرة للجدل، وتعود لرجل هدد حياة رئيسة الوزراء النرويجية الحالية، ومدح زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ووصفه بأنه "جوهرة تاج الإسلام"، وهذا الرجل هو
الملا كريكار، واسمه الحقيقي هو نجم الدين فرج أحمد، وهو مؤسس جماعة أنصار الإسلام، التي ارتبطت بتنظيم القاعدة، ويقال إنها مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ووضعت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ملا كريكار (58 عاما) على قائمة الإرهاب.
وينقل التقرير عن كريكار ما قاله قبل ثلاثة أعوام في مؤتمر صحافي: "إن موتي سيكلف المجتمع النرويجي الكثير، فلو قامت إرينا سولبيرغ (رئيسة الوزراء الحالية) بطردي من البلاد، وكانت سببا في موتي، عندها ستلاقي المصير ذاته".
وتشير المجلة إلى أن تصريحات كريكار أثارت غضبا عاما، وقدم للمحاكمة بتهم إصدار تهديدات بالموت، وحكم على الملا، المولود في العراق، بالسجن لمدة خمسة أعوام، وتم تخفيض الحكم إلى 34 شهرا.
وأطلق سراحه الشهر الماضي، ما وضع الحكومة النرويجية أمام معضلة.
ويبين التقرير أنه بالرغم من كون كريكار على قائمة الواجب ترحيلهم من النرويج منذ عام 2003، إلا أن القانون النرويجي يحظر
ترحيله إلى بلده العراق؛ لأنه سيواجه التعذيب والإعدام. ولأنه يعد "تهديدا للأمن القومي" فلا تريد الحكومة أن يبقى في
أوسلو. ولهذا جاءت حكومة سولبيرغ بفكرة ترحيله إلى بلدة شيخستريرا، كي يعيش في مركز للاجئين. ولن يسمح له بمغادرة البلدة، ويجب أن يذهب إلى مركز الشرطة ثلاث مرات في الأسبوع. وكانت محكمة في أوسلو قد قررت بداية الشهر الحالي أن يتم ترحيل الملا كريكار للبلدة، حيث لا تزال المحكمة العليا تنظر في استئناف ضد الحكم.
ويرى ستيل فاغ، عمدة بلدة هيمي، التي تضم شيخستريرا، أن فكرة استقبال شخص بهذه السمعة تعد شاقة، ويقول للمجلة: "لا أفهم لماذا يجب أن ينقل إلى هنا؟، لم تتم استشارتنا عندما تحدثت معنا الحكومة والشرطة في أوسلو، ولم نتلق شرحا وافيا، ولست سعيدا بالقرار، وودت لو علمت بالقرار مبكرا".
ويستدرك التقرير بأنه مع ذلك فإن فاغ مستسلم للقرار، ويعلق قائلا: "نحن منفتحون، وسنستقبله كما نستقبل أي شخص، وسنعامله جيدا. ولسنا خائفين من كريكار".
وعندما سئل إن كان سيقابل الملا، أجاب فاغ: "لن أطلب مقابلته". وكان العمدة فاغ قد طلب قبل أسبوعين اجتماعا مع سكان البلدة لمناقشة إمكانية ترحيل كريكار إليها. وفي البداية اعترض الناس وعبروا عن غضبهم، ولكنهم أصبحوا اليوم متقبلين للفكرة. وأصدر بعضهم نكاتا ساخرة حول قيام الملا كريكار بتحويل المتزلجين على الجليد الى الشيعة، مع أنه سني، بحسب المجلة.
ويلفت قاغ إلى أنه يوجد خوف لدى الناس، "فهم خائفون من طبيعة الأشخاص الذين سيزورونه"، مضيفا: "أشعر بالقلق أيضا". خاصة أن محاميه يقولون إن هناك إمكانية بأن يواصل كريكار اتصالاته مع أتباعه عبر الإنترنت. حيث أصبح بعد سجنه رمزا، وسيزيد عدد أتباعه لو بقي في شيخستريرا.
ويذكر التقرير أن هناك مخاوف أخرى تتعلق بالمركز الذي سيبقى فيه كريكار، وهو ما يثير خوف مديره هيبورن جينسن، فيعيش في المركز أنماط مختلفة من الناس، فبعضهم هارب من الخدمة العسكرية في بلاده، وهناك أفغان وسوريون وأفارقة كلهم هربوا من الحروب والدماء. ولا يوجد في المركز عراقيون.
ويقول جينسن للمجلة: "لا أحد سمع باسمه أو يعرفه من قبل. فطالبو اللجوء في المركز لا يتابعون الإعلام النرويجي، وهم منشغلون أكثر بما يجري في بلادهم. وقد يتعاملون معه على أنه طالب لجوء، وسيتركونه لشأنه".
ويستدرك التقرير بأن كريكار ليس شخصا عاديا، فقد وصل إلى النرويج طالبا للجوء عام 1991، ولكن وضعه كونه لاجئا سحب منه عام 2002.
ويقول محرر ثاني صحيفة نرويجية "بيرغينسافينسن"، أندريه نيلاند: "يعد كريكار حالة خاصة في النرويج، وهو موضع اهتمام وحديث منذ سنوات". ففي عام 2007 ذكر تقرير أن صفحة على فيسبوك أنشئت من أجل جمع تبرعات لشخص يخطط لاغتيال كريكار، "وقتل العدو رقم 1 للنرويج"، وفي عام 2010 فشلت محاولة لاغتياله، بحسب الصحيفة.
وتفيد المجلة بأن محاميه برينجار ميلنغ، الذي يدافع عن المسلمين المتهمين بجرائم، وقد تلقى سيلا من رسائل العداء، عندما سمع قرار المحكمة هذا الشهر، تقدم بطلب استئناف للمحكمة العليا. ويقول ميلنغ إن فصل كريكار عن زوجته وأولاده الأربعة في النرويج يعد انتهاكا لحقوقه. وحتى تصدر المحكمة العليا قرارا سيظل كريكار مع عائلته في العاصمة، ولكن في عنوان سري.
ويورد التقرير أن ميلنغ يصف كريكار بأنه "رجل المبادئ"، ويرى أن الأحكام التي صدرت بحقه "ظالمة"، ويقول ميلنغ: "قد قضى فترة سجنه، ويجب الإفراج عنه ليعيش كما يحلو له ويبقى مع عائلته". وأضاف: "قال كريكار إنه لا يريد تهديد أحد، وإن كلامه كان مجازا لم يقصده على الحقيقة. وهذا صحيح؛ لعدم توفر القوة له كي ينفذ أي شيء ضد أي شخص. وتريد الحكومة فعل هذا استعراضا للعضلات، ولإظهار أنها تقوم بعمل شيء ما".
وتوضح المجلة أن متحدثا باسم وزارة العدل قال إن طرد كريكار لا يزال أولوية بالنسبة للحكومة، وهي تقوم بمراجعته بشكل دائم. ولكن محامي الملا سيحاولون منع أي عملية ترحيل، ويقولون إنهم سيأخذون ملفه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبوغ، إن اقتضى الأمر.
وتختم "نيوزويك" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الحالي يشترك الملا مع سكان البلدة بشيء واحد، وهو انتظار حكم لا رجعة فيه بترحيله من أوسلو.