يمكنك الآن أن تحافظ على موقعك الثوري، وتستثمر في وقفتك في ميدان التحرير، وفي الوقت نفسه تفتح قنوات من التفاهم، والتعاون، والود، والحميمية، مع الثورة المضادة، والدولة العميقة، من السيسي إلى توفيق عكاشة، فقط عليك أن تتابع هؤلاء:
أما هم: فهم منا، كانوا معنا، هتفوا معنا، اعتصموا معنا، واجهوا الرصاص معنا، منهم الصادق، وأكثرهم المنتفع، لكنهم على كل حال لهم تاريخ، تماما كما كان لـ إبراهيم عيسى، وكمال أبو عيطة، وعبد الجليل مصطفى، وعبد الحليم قنديل، وفريدة الشوباشي، وآخرين!!
وأما كيف تصبح من الثائرين، وفي الوقت نفسه، من غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فإليك الوصفة السحرية:
1- تزوير علاقة الثوار بالحكم العسكري
قامت الثورة ضد دولة العسكر، 60 عاما من حكم البكباشية، الخبز والحرية والعدالة، والكرامة، عبارات أكثر عمومية، حاولت اختزال رؤية أكثر تقدمية لبلاد يحكمها ساسة، لا عساكر، كل الأطراف اتفقت على ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته، ودخول
مصر عصر حريات حقيقي، انتخابات حقيقية، لا تحت تهديد السلاح، والسيطرة على مفاصل الدولة، واعتبار المعارض، أو المنافس خصم لها، حياة نيابية حقيقية، لا أعضاء مجلس "الفتة" الذي يجري تقسيمه بناء على الولاءات للحزب الحاكم، والتربيطات السياسية، والنتيجة المعروفة قبلا، حياة حزبية حقيقية، وتمثيل لكل من يرغب في العمل السياسي، وأحزاب تشهر بالإخطار، لا بموافقة لجنة رفض الأحزاب، كما كان يسميها عصمت سيف الدولة.
العلاقة بين الثورة والعسكر، علاقة خصام سياسي، الثورة لحظة يقين سياسي، مشروع ضد مشروع، مستقبل حر مأمول، ضد ماض متخلف، ورجعي، وفاشي، وبعد الثورة المضادة، ونجاحها المؤقت في إزاحة يناير من الصورة، وانتقامها الواضح الذي لا لبس فيه، هي ومؤسسات الدولة العميقة، جيش، وشرطة، وقضاء، وإعلام، من كل من قاموا بثورة يناير على اختلاف توجهاتهم، بانت العلاقة عند طرفها الآخر، أكثر عداء وانتقامية، خصمان، بوضوح، انتهى إلا أنه يمكنك أن تلعب في مقادير المعادلة، زيادة في طرفها الأيمن، تنقيص من طرفها الأيسر، لفظ من هنا، كلمة من هناك، نخرج بمعادلة جديدة، ترضي المتابع غير المنتبه، وتسكن آلامه، وتدخل السرور والانبساط على الحاكم العسكري، وتمشي الدنيا: يمكننا مثلا أن نقول على الصراع أنه "خلاف"، يتحول الخصام السياسي، والأخلاقي، والأيديولجي إلى مجرد تباين في وجهات النظر، تصبح العلاقة بين عسكر يقتل، ويسجن، ويعتقل، ويسحل، ويشوه، وينهب المليارات، وبين ثائر نزل مضحيا بحياته من أجل وطن محترم، خيره لكل أبنائه، هي نفسها العلاقة بين فصائل الثورة المتنوعة: هدف واحد، وطرق مختلفة، فالثائر والعسكري، مثل اليساري والإسلامي، أو الناصري، والليبرالي، أو المثقف وابن البلد، أو الأهلاوي والزملكاوي، أو العمراوي، والتامراوي، وعشاق الكينج منير صديق أحمد موسى، عادي، أنا كثائر لي وجهة نظر، تتعلق بدولة القانون، وأنت كعسكري لك وجهة نظر تتعلق بدولة القانون، ولكن قانون الطواريء، بسيطة، كله بالحب.
إذن: نحن لا نعادي النظام، ولا نتغيا إسقاطه، نحن فقط "نختلف" معه، وبناء عليه فللنظام شرعيته، وقانونيته، وأخلاقيته، ولنا كذلك.
ما الذي يريده أي لص في الدنيا من صاحب المسروقات أكثر من اعتبار فعل السرقة وجهة نظر؟!
***
2– طرح السؤال الخطأ
نحن دائما نبحث عن السؤال، السؤال الصحيح نصف الإجابة، السؤال هو تشخيص المرض، مربط الفرس، بيت القصيد، في يناير كان السؤال هو رحيل مبارك، لم يكن إسقاط النظام بأكمله، لو كان لتغير الوضع ، اكتفينا بإسقاط الرأس، وغادرنا، قبل أن نكمل، أخطأنا، ذلك لأننا لم نطرح السؤال منذ البداية بشكل صحيح.
السؤال الآن، وبعد تجربة 4 سنوات من العذاب السياسي والاجتماعي، والنفسي، هو سقوط حكم العسكر، والعودة للمسار الديموقراطي، الطريق: سقوط السيسي وتصفية جيوب الدولة العميقة، ومحاسبة كل من أجرم، عدالة انتقالية، دون إقصاء، كلام يغضب المعتمد العسكري، يتعارض مع مصالحه، دعنا منه إذن، ليكن السؤال:
من المتسبب فيما نحن فيه الآن: الإخوان أم التيار المدني، أم كلاهما؟
ماذا لو سمع الإخوان آلاف النصائح ووافقوا على انتخابات رئاسية مبكرة من الأساس، ألم نكن قد تلافينا كل ذلك؟
ليكن: هل كان خطاب رابعة طائفيا، أم لا؟
هل استوعب الإخوان الدرس؟
لماذا تحقد قطر وتركيا على مصر؟
كيف ينجح أردوغان.. بأصوات المواطنين الأتراك الشرفاء أم بمساعدة المومسات؟
هل يستمر الدوري العام بدون جماهير؟
هل تغادر صافيناز مصر أم أن السبكي سيتصرف؟
هل يصح ما يفعله أحمد عز ومحاميته مع المسكينة زينة؟
ليكن أي شيء، دون المرهقة للسلطة، لنطرح أسئلتنا بعيدا عن باب السيسي، ونتركه ساعة القيلولة يمدد على راحته، شغلتنا طرح الأسئلة؟ ها نحن "نطرح"، الإجابة عليها؟ ها نحن "نجيب"، انتهينا.
***
3– تزوير مفهوم الوطن
الوطن هو نحن، الناس، 90 مليون مصري، ماضيهم، حاضرهم، مستقبلهم، مستقبل عيالهم، الأرض، البيوت، الحضارة، التاريخ، الدين، الدنيا، الفقير، الغني، المتوسط، الأبيض، الأحمر، الأسود، هذا هو الوطن، إلا أن هذا التعريف "واسع" على الخصر الميري، ربما ينسلت، نحتاج إلى "حزام"، أو حمالات، لتثبيت الوطن، لا بأس، ليكن الوطن هو النظام، هو السيسي، داخليته، قضائه الشامخ، إعلامه، دولته العميقة، لن نقول ذلك صراحة، ولكن إذا تعرض أحد لهذه الأجهزة التي قامت الثورة ضد طغيانها واستبدادها وفسادها، فحن في الخدمة، نحن الثوار أنفسهم، الذين ثرنا على هذه الأجهزة، سندافع عنها باعتبارها "الوطن"!!!
تستأسد الدولة على مواطنيها، الذين هم بالأساس الوطن، تقتل، وتحرق، وتعتقل، وتصدر أحكاما بالإعدام بالشبهة، لكننا نتحدث عن أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة، وعدم التورط في إدانة كل شيء، لأنه في مثل هذه الفترات تحدث بعض الأخطاء، لكنها أخطاء مقبولة للحفاظ على الدولة، أي دولة؟ الدولة التي هي الوطن!
مؤتمر اقتصادي، يقام بواسطة الدولة، ترزية القوانين يفصلون له ما يناسب مصالح الطبقة الحاكمة من القوانين، مليارات تدخل، لتذهب إلى جيوب رجال الأعمال ولا تعود بأي نفع على ملايين المصريين، هنا يصبح كشف الفساد وتمني الإخفاق منتهى الوطنية، والانحياز لمصالح المستضعفين، إلا أن الثوري الجميل يدعو الله ويتمنى عليه أن ينجح المؤتمر، لماذا؟ من أجل مصالح منفذيه؟ لا طبعا، حاشا لله، نحن "نختلف" مع السيسي، لكننا ندعم المؤتمر من أجل مصر، الوطن !!!
هنا يصبح خصوم الثورة والوطن هم أنفسهم الوطن، وعلى المتضرر أن يخبط دماغه في أكبر حائط.
***
4- تزوير مفهوم النقد
يحاول الكثيرون، أن يظهروا للناس ما يحدث بأوطانهم المسلوبة، المنكوبة، المشفوطة، المنهوبة، يحاول ما تبقى من الثوار، أن يفككوا خطاب الوطنية الزائف، ويفضحوا توجهات أصحابه الحقيقية، التي لا تمت بأي صلة إلى معنى الوطن، والانتماء إليه، يضطر هؤلاء في خطابهم إلى التعرض للإخفاقات المتكررة والفشل الذي يجري تصديره بوصفه نجاحات، وإنجازات، ومعجزات الوطن، نقد هذه الأكاذيب في خطاب التزوير الوسطي الجميل هو محض "حقد"، وغل، وحسد، و"نفسنة"، ولولا الغيرة من "الوطن"، لهللنا، وطبلنا، وغنينا، ورقصنا مثل الآخرين!
هنا يتحول النقد إلى الحقد، حرف واحد، بسيطة
***
5– الإرهاب باستدعاء الإرهاب!
"كل ما تتزنق قل إرهاب"، كان هذا إلى وقت قريب شعار النظام، ودينه وديدنه، كل معارضيه بالضرورة إرهاب، كل منافسيه، كل نقاده، كل من يمر بجواره ولا يصلي على حضرة النبي، إرهابي إخواني، مدعوم من قطر، وتركيا!!
مع الوقت، أصبح استدعاء الإرهاب من محددات الوطنية الجديدة، والتزلف غير المباشر للسلطة، وأصبحت الإشارة من بعيد، وأحيانا من قريب، إلى الإرهاب بوصفه المبرر الموضوعي، للتماهي مع خطاب السلطة، هو أحد ألاعيب الثوار المتقاعدين، قل إرهاب وربك يفرجها، إذا واجهك رفاقك القدامى بموقفك المخجل إزاء سلطة فاشية لا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق مواطنيها كي تستمر في حكمهم، فيما تسكت أنت عن ذلك، وتسميه "خلاف"، فإذا نبهوك إلى سفالتك، وضاعت حجتك، وهربت منك الكلمات، وابتلت السراويل، وبلغت المخاصي الحناجر، فعليك بالإرهاب، ضع كلمة إرهاب في أي جملة غير مفيدة، وسوف ينكس الجميع رؤوسهم، خشية اتهامهم بالإرهاب أو دعمه، أو الانحياز له، أو التبرير، أو أي شيء، لا تشغل بالك، المهم أنك مررت بالسلامة ... مبارك!
***
6– تزوير مفهوم الأمل
ثمة أمل، دائما هناك أمل، اليأس خيانة، اليأس كفر بخالق يدبر الأمر، ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، علينا أن نشجع الناس على العمل، لأن هناك أمل، لكن أي عمل، وأي أمل، هنا يظهر الثائر/ المزور، بفتح الواو وكسرها، ليضع الأمل على طرف بيادات الجنرالات، نهبوك في السابق، لا بأس، شجع مشروعاتهم المقبلة، ربما شبعوا مما سرقوه من قبل، وسيتركوا لك جزءا من الرغيف في المرة القادمة، ثمة أمل، تفائل خيرا، شارك، ادعم، طبل، هلل، من يدري، ربما، تمسك بالأمل، الأمل الأمل ...!!
هنا يتحول الأمل إلى ابتزاز رخيص لعجز الناس وتطلعهم إلى أي شيء، ولو قشة، يتعلقون بها فتنقذهم مما هم فيه من بؤس، هنا يتحول الثائر السابق من انتهازي إلى نخاس.
***
إن ثائر الدرجة الثالثة، أو ثائر مصنع الكراسي، بوصف الكاتب والباحث السياسي أحمد تايلور، هو من أخطر، وأوسخ، ما نواجهه الآن، هذا المزور، الذي يلتمس لنفسه خط رجعة مع النظام يمكنه من العيش في رغد المؤسسة، وجنتها، والتملص، بهدوء، من انحيازاته الثورية القديمة دون الاستغناء عن "وجاهتها"، بحيث يصبح رجل النظام داخل الصف الثوري، ويقدم خدماته، ويحصل على ثمنها، خطر على وعي الناس بثورتهم، خطر على شباب تبدأ علاقتهم بالثورة من حيث لم ننته، رآها على الشاشات وهو ابن 14 عاما، وهو الآن طالب جامعي، يحاول أن يقترب، ويتعلم، ويشارك، فإذا بمن تصورهم رموزا، وثوارا، يطعنونه في وعيه، لقاء كرسي في البرلمان، أو أمام الشاشات في فضائيات الأمين، وأبو العينين.
تخلصوا من تأثيرهم الكاذب، نبهوا الناس إليهم، ابحثوا في أرشيفهم، واجهوهم بوضاعتهم وانحطاطهم، لا تسكتوا عليهم احتراما لتاريخ لم يحترموه، وإليهم أقول: من أراد التمرغ في وحل الدولة الفاسدة فليفعل ذلك دون أن يجعل من دماء الشهداء، والمصابين، وتضحياتهم ثمنا لفاتورة ترقيه، احترموا أنفسكم، مرة واحدة لله!!