الرئيس عباس هو أكثر إنسان قلق ومتوتر من البدء بمفاوضات حماس مع الاحتلال الإسرائيلي. فرأس ماله تمثل بالمفاوضات والتنسيق الأمني وبعض التسهيلات الإسرائيلية لسلطته، مع التضييق على خصومه وحصارهم في قطاع غزة، وهو يدرك أنه لا يملك أي خيار إلا الإذعان للاحتلال وإرضاء أطماعه الاستيطانية بالصمت والتعامي أمام الانتهاكات اليومية وابتلاع الأراضي.
ولهذا لا يترُك الرئيس فرصة من غير التحذير واتهام حماس أنها تتحدث وتحاور الاحتلال، وهذا حتى اللحظة لم يحدث مع أنني أقول إن هذا غير مستبعد فلا مفر إلا الحديث مع الاحتلال، وابرام هدنة زمنية مقابل مطالب فلسطينية مُلحة. في ظل ازدياد تعقيدات الواقع في غزة.
الاحتلال الإسرائيلي أرسل لحماس عبر وسطاء العديد من الرسائل، طالب فيها بفتح قنوات تفاهم، حماس بدورها رفضت الطريقة الإسرائيلية لعدة أسباب، أهمها لكي لا تعزز الانقسام فينجح العدو بالتعامل مع غزة بطريقة مختلفة عن الضفة، إلا أن الرئيس محمود عباس يدفع القطاع لتبني هذا الخيار؛ برفضه تنفيذ بنود المصالحة ودمج الموظفين ورفع الحصار.
ترفض حماس أيضا أي خطوات سياسية فيها اعتراف بشرعية إسرائيل ابتداء، وتتمسك بسلاحها ولا تنبذ المقاومة وتتعامل بندية نسبية، فلديها أوراق قوة ومناورة يمكن استخدامها، كما أن لها خيارات عديدة في التعامل مع تعقيدات الحالة بعكس الرئيس عباس.
لهذا لا يحق للرئيس عباس استخدام فزاعة مفاوضات حماس وحوارها مع عدوه وكأنها تهمة، فهو عراب التفاوض ووالده الشرعي، وإن كانت تجربته التفاوضية فاشلة وغير مجدية وأضحت معيارا لبؤس هذا الخيار. وأنصحه بالكف عن لوم الآخرين وتقريعهم في ضوء أي تحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة، فالقطاع يعاني حالة فراغ بعدما تنصل من المصالحة، فتلح على قطاع غزة خطوات دراماتيكيه متسارعة يمكن لها أن تغير في قواعد اللعبة، وسكان القطاع تعبوا من تجاهل حكومة الحمد الله وتخليها عن مسؤوليتها وتقاعسها عن اغاثة غزة ورفع الحصار عنها.
جولة قيادة حركة حماس على خطوط التماس وتجولهم في مواقع الرباط الأمامية المتقدمة، والتقاطهم الصور مع جنود النخبة العسكرية بهذا الانسجام والأريحية، لهو رسالة واضحة أن لغة التفاهم مع الاحتلال تكون وفق معادلة السلاح والمقاومة، وأننا جاهزون ونتجهز لحروب صعبة قد تكون أقسى وأخطر من حرب العصف المأكول، أما صور قادة حماس هنية والزهار وهما ينظران للمدن المحتلة في فلسطين لم تخرج عبثا، وإنما تقول أن ساحة المعركة القادمة ليست هنا بل حيث ننظر في فلسطين المحتلة عام 48.
هذا الاستعداد الكبير هو نموذج إيجابي لآلية وكيفية التحدث مع الاحتلال، أما التسليم والاستسلام كما فعل الرئيس وتوقيع اتفاقيات تجرم المقاومة فقد أضرت وجرأت الصهاينة وغيرت معالم الضفة، كما أن القوة التي تمتلكها حماس اليوم تؤهلها للعب دور سياسي بارز وكبير، ومن ضمنها عقد توافقات وتهدئات والوصول لهدن طويلة نسبيا، والابتعاد عن حالة الاشتباك ولكنها بالتأكيد سيكون وفق سياسة وطريقة مختلفة عن ما تعود عليه الإسرائيليون مع عباس.
حماس مارست التفاوض غير المباشر مع الاحتلال قبل ذلك، ولا يوجد مانع شرعي أو وطني أو فيتو سياسي من الدخول بمفاوضات المباشرة، وهي واضحة وصريحة وستعلن عن اي اتصال لو حدث ذلك.
أي تهدئة قد تبرمها حماس لن تنص على نزع السلاح أو تفكيك قوى المقاومة ومحاربتها، وستسعى للحفاظ على الحد الأدنى من تطلعات شعبنا الفلسطيني المرحلية، ورغم ذلك لديها الكثير لتقدمه في إطار تهدئة طويلة نسبيا يرفع من خلالها الحصار ويتم الاعتراف بفلسطين دولة كاملة السيادة.