لم يكن أتاتورك هو النموذج الناجح للنهوض بتركيا في العصر الحديث بعد أن قال جملته الشهيرة: لقد انتهي وقت هذه الكلمات: (الإيمان - السيف - القدس). ففي عام 1922 تم إقصاء الخليفة وحل دولة الخلافة، وفي عام 1923 انتخب أتاتورك كأول رئيس للجمهورية التركية الحديثة.
وبعد 4 أشهر من استلامه للحكم قام أتاتورك بدعوة أصدقائه الغربيين إلى تركيا ولم يكتفي بعزل الخليفة وتدمير دولة الخلافة فقط، بل قام بطرد وزير الشؤون الإسلامية أيضا. وفي رسالاته ولقاءاته أكد على انه لا شيء سوف يوقفه عن مهمته في اقتلاع أي مظهر من مظاهر الدين والقضاء عليها ...
أتاتورك قام بالحكم بالإعدام على كل من يرفض ارتداء القبعات المسيحية والتي تعتبر الرمز الثالث للمسيحيين بعد الصليب والحزام حول الخصر، وهذه القبعات أصبحت فيما بعد احد الرموز الشعبية.
قام أتاتورك بفرض العلمانية كطريقة للحياة واعتبرها الوسيلة الوحيدة لكي يصبحوا بشرا! ولذلك قام باستبدال الحروف العربية التي كانت اللغة التركية تكتب بها وقام باستبدالها بالحروف اللاتينية، وقد قام بجعل النساء يرقصن الستربتيز (الرقص مع التعري) وجعلهم يقومون بالآذان للصلاة وهم يرقصون ويتعرون.
هذا إلى جانب العديد والعديد من المواقف والأفعال التي لم أذكرها لضيق المقام والتي تعدى بها أتاتورك على كل الخطوط الحمراء وفي النهاية ماذا جنى أتاتورك؟ الإجابة: "الحصاد كان صفرا كبيرا".
في عام 1992م، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر في الانتخابات التشريعية واكتسحت مقاعد المجلسين بنسبة تعدت 70% فانقلب عليها وزير الدفاع وأقال رئيس الجمهورية ولا زال الوضع قائم في الجزائر بالحكم العسكري حتى كتابة هذه السطور كل ذلك تم بمباركة غربية وغض الطرف عن المسميات في سبيل تحقيق المصالح ودوام الريادة لهم والتبعية للغير وأعني هنا فرنسا الجارة بحكم مصالحها في الجزائر وقربها الجغرافي منها ولا عزاء هاهنا للديمقراطية.
في عام 2006م شهدت دولة فلسطين انتخابات حرة نزيهة وشفافة أسفرت عن فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية واكتسحت مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وأصبح من حقها تشكيل الحكومة الفلسطينية إلا أن الرئيس الفلسطيني أقال الحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي المنتخب وساعدته قوات الاحتلال على ذلك فاعتقلت رئيس المجلس وعدد من أعضائه وقام فلول النظام بمحاربة الحكومة في قطاع
غزة فلم يتمكنوا منهم فهربوا من قطاع غزة عبر مصر وعلى رأسهم محمد دحلان وبقي الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه حتى كتابة هذه السطور وأيضا تم هذا الأمر بتحريض وموافقة إسرائيلية أمريكية ولا عزاء هنا أيضا للديمقراطية.
في 30 يونيو 2013 قام كل رافضي اعتلاء التيار الإسلامي لسدة الحكم من علمانيين وليبراليين واشتراكيين بالاحتشاد لإسقاط حكمهم فبعد خمسة استحقاقات انتخابية لم يكن الطرف الفائز فيها إرهابي أو لديه عنف محتمل وقد خاض انتخابات تشريعية فاز فيها بالأغلبية على مقاعد مجلسي الشعب والشورى وفاز في انتخابات رئاسية حرة نزيهة وشفافة أسفرت عن فوز مرشحهم أيضا ثم التفت أيادي الظلم لتعصف بكل تلك الإرادات الشعبية بحجج واهية بل قلبت الشعب المسكين على الفائزين من خلال سحرة الإعلام الذين خلطوا الحق بالباطل والغث بالثمين وانقلبت الأمور رأسا على عقب بضوء أخضر غربي لهدم التجربة الديمقراطية الوليدة التي أفرزت ما لا يحبه هؤلاء الذين صدعونا بالديمقراطية فالمصالح التي ستهدم في سبيل هذه التجربة أكبر بكثير من مجرد تسميات لا يعرفها ولا يعيشها شعوب هذه الدول، أما الوضع الذي أسقطوا الحكم من أجله فلم يزل على ما هو عليه بل يزداد سوءا يوما بعد يوم.
وعلى غرار التجربة الأتاتوركية فالذين احتشدوا في 30 يونيو من فلول الحزب الوطني والمسيحيين والبلطجية وغيرهم من الأحزاب العلمانية والليبرالية والاشتراكية ومن ورائهم النظام الخالي يقومون الآن بالقدح في الدين و التشكيك في نصوصه ورموزه وكتبه وحجابه والتضييق على المساجد والحجر على كل ممارساته ظنا منهم بأن ذلك سينهي الوجود الإسلامي ويستأصل التيار الإسلامي من الحياة السياسية.
في عام 1938م مات مصطفى كمال أتاتورك بعد معاناة مع مرض الجرب ومرض تليف الكبد والاستسقاء الناتجة عنه وقد ترك تركيا تضرب أخماسا في أسداس بعد الاختلاف في صلاة الجنازة عليه وفي نهاية القرن العشرين ماتت التجربة الأتاتوركية بعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي للحكم وقد ورث تركيا أتاتورك ببيوت دعارتها وخمورها المقننة وباقتصادها المنهار وتفسخها المجتمعي وخلال عشر سنوات فقط تبدلت تركيا من الفشل الأتاتوركي إلى النجاح الإسلامي.
أما الجزائر فلازالت ترزح تحت حكمها العسكري برئيسها المريض وإشكالاتها السياسية والدستورية اللامتناهية رغم صرف مئات المليارات على تحسين الوضع هناك، أما فلسطين فالانقسام والانشقاق هو أحد ابرز نقاط ضعفها أمام العدو الإسرائيلي رغم نجاح حماس "في قطاع غزة" بالوقوف أمام آلة عسكرية غاشمة بأقل الإمكانيات.
إن التجربة المصرية بعد 30 يونيو و3 يوليو لن تفعل عشر ما فعله أتاتورك في تركيا ولن تستطيع تغريب المجتمع المصري أو فرض طقوس العلمانية والليبرالية عليه بهذه الأعمال الصبيانية والمراهقات السياسية، وفي النهاية ستفشل كما فشلت التجربة الأتاتوركية وستعود بإذن الله مصر بسواعد أبنائها المخلصين لتتبوأ المكانة والريادة التي تستحقها.