ثمة كلمة سحرية في «
عاصفة الحزم» استطاعت أن تصنع الفارق وتعطي ركيزة وغطاءً لحرب لم يرغب فيها أصحابها، لكنهم ذهبوا إليها مضطرّين. إنها «
الشرعية»، فالحكومة التي تمثّل هذه الشرعية احتاج إليها «
الحوثيون» في عملية الاحتيال التي أقدموا عليها تحديداً منذ 21 سبتمبر بعدما خدعوا المبعوث الأممي وأوهموه بأنهم في صدد الانخراط جدياً في «العملية السياسية»، إذا وقّع الرئيس وزعماء الأحزاب على «اتفاق السلم والشراكة»، لكنهم اعتبروا هذا الاتفاق تشريعاً لانقضاضهم على صنعاء والشروع في السيطرة على البلاد. وبعدما انتهكوا هذه الشرعية احتجزوا مَن يمثلها، وعندما أفلت الرئيس عبد ربه منصور هادي منهم ووصل إلى عدن حشدوا لاجتياحها والإجهاز عليه ليصبح انقلابهم أمراً واقعاً ومبرّراً.
وما لبث تحالف «عاصفة الحزم» أن تسلّح بهذه الشرعية التي تعترف بها قرارات مجلس الأمن، بل تحضّ على احترامها وحمايتها، كونها الشاهد الحي على تمرّد «الحوثيين» وتخريبهم للمرحلة الانتقالية، التي أوشك الحكم على إنهائها، بل إنها مفتاح الحل السياسي وأساس وحدة البلد. ولن يكون هناك أي معطى جديد في الأزمة ما لم تتمكّن هذه الحكومة من العودة إلى عدن لتستأنف العمل من أجل إنهاض الدولة واستعادة المؤسسات ممن صادروها، وبالتالي استعادة العاصمة صنعاء. وكان القرار الدولي الأخير رقم 2216 تحت البند السابع بالغ الوضوح في رفضه الحال «الحوثية» جملةً وتفصيلاً وعدم اعترافه باستثناءات إلا للعمل على الوضع الإنساني وتسهيل أي حوار بحثاً عن حل سياسي.
وبعد استقالة المبعوث «جمال بن عمر» طُرح الكثير من التساؤلات عن إدارته لمهمته وللأزمة وإضاعته البوصلة في منتصف الطريق. صحيح أنه واصل التعامل مع الحكومة الشرعية، لكنه علّق مهمته طويلاً على وهم انضباط «الحوثيين» وانضوائهم في اللعبة، وفضّل في لحظات حساسة أن يصمت انقاذاً لمراهنته عليهم، إذ إنه استهان باحتجاز الرئيس في الإقامة الجبرية للضغط عليه كي يوقّع على قرارات «حوثية»، وتجاهل ما كان واضحاً وبيّناً من أهداف هذه الجماعة باستيلائها على مؤسسات الدولة، بل ظنّ أنه سيتمكّن من ترويض الأمر الواقع بعد فرضه، وواصل حوارات الأطراف الواقعة تحت الترهيب كما لو أن شيئاً لا يحدث في الشارع ومن شأنه أن يقوّض كل ما يُتفق عليه إذا لم يناسب «الحوثيين». وقد يكون بن عمر تصرّف بضوء أخضر دولي لاجتذاب هذه الجماعة بأي شكل، غير أن الواقع الذي نشأ في صنعاء والعديد من المدن اقترب من تهديد وجود الحكومة الشرعية التي على أساسها وجدت مهمة المبعوث الأممي.
والأكيد أن مسألة الشرعية تضاعف الإشكاليات في مهمات المبعوثين الأممين، بدليل أن المبعوث إلى ليبيا «برناردينو ليون» واقعٌ حالياً في الفخ نفسه. فلديه برلمان وحكومة يعترف مجلس الأمن بشرعيتهما، ولديه أمر واقع «ميليشيوي» لا يتمتع إلا بشرعية السلاح والاستيلاء على العاصمة طرابلس بالقوة. وفيما تتركز جهوده على جمع الطرفين في حوار، فإنه كلما أوحى بتجاهل الشرعية ينال الدعم والإطراء من جانب الميليشيات فيتعطّل التعاون من جانب البرلمان الشرعي، والعكس بالعكس. هنا أيضاً يستند «ليون» إلى ضوء أخضر دولي (أميركي – بريطاني) لكن إعطاء الميليشيات حصة في الحكم شيء وتقسيم السلطات بينها وبين الحكومة الشرعية شيء آخر تماماً. فهذه لم تعتدِ على أحد، أما تلك فعطّلت وتعطّل جهود إقامة الدولة واعتدت وتعتدي على إرادة الشعب كما عبر عنها مرّتين في صناديق الاقتراع. لذلك يتقدّم الحوار ثم يتعثّر ثم يُستأنف ويتعقّد، وهكذا.
أما المبعوثون الأمميون إلى سوريا فوجدوا أنفسهم أمام «شرعية على الورق» لم تعد لها حيثية في الداخل أو في الخارج. كان على «كوفي أنان» والأخضر الإبراهيمي، والآن «ستيفان دي ميستورا»، أن يتعاملوا مع ظاهرة مختلفة تصرّ فيها «الحكومة الشرعية» على العنف بكل أنواعه وخصوصاً منها الأسوأ. ورغم أن الضغوط الدولية تمكّنت للحظة من أن تفرض مفاوضات في جنيف، فإن الطرف الذي أفشل المحاولة كان النظام الذي لم يعترف بوجوده رغم ارتكابه مجازر مروّعة ودماراً هائلاً. ومع المبعوث الحالي اختزلت الأمم المتحدة مهماتها بمجرد الحضور ومواصلة استكشاف المواقف في انتظار متغيّرات مجهولة أو مبهمة.
يُفترض أن يعرف أي مبعوث جديد إلى اليمن أن هناك طريقاً شاقاً اجتازه البلد ليصل إلى نهاية المرحلة الانتقالية، ولا يمكن أن يستقيم أي استقرار إلا في ظل شرعية يرتضيها الجميع، ولا تفصّل خصيصاً على مقاس أي طرف أو وفقاً لنزواته السياسية أو المذهبية.
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)