صحافة دولية

الغارديان: مسلمو الروهينغا يركبون البحر للهروب من "السجن المفتوح"

الغارديان: مسلمو الروهينغا يفضلون ركوب البحر على حياة السجن التي يعيشونها - أ ف ب
الغارديان: مسلمو الروهينغا يفضلون ركوب البحر على حياة السجن التي يعيشونها - أ ف ب
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لسارا بيريا، حول مغامرة مجموعات من مسلمي الروهينغا بركوب البحر؛ للهروب من حياة لا تختلف كثيرا عن حياة السجن، حيث يعيشون في غيتوهات لا يسمح لهم بمغادرتها إلا في أوقات محدودة.

وتقول بيريا إنها التقت في مسجد بسيط محاط بالقبور الجديدة بمحمد، الذي يسرد لها قصة وفاة ابنته برمين فيبي ذات الثمانية عشر ربيعا، فيقول بصوت منخفض: "كانت تتقيأ ولديها إسهال، ولم أستطع أخذها إلى المستشفى، وليس هناك طبيب يستطيع زيارتها، ولذلك ماتت هنا".

ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن برمين واحدة من حوالي أربعة آلاف مسلم روهينغي يعيشون في ما يشبه الغيتو في "آنغ منغ لار" في منطقة خاصة بهم من مدينة سيتوي ذات الأغلبية البوذية في مقاطعة راخين شمال غرب بورما.

وتبين الصحيفة أنه منذ ثلاث سنوات تم عزل المجتمع هناك عن العالم الخارجي بحواجز للشرطة وأسلاك شائكة، ويعيشون في ظروف شبيهة بالأبارتايد، وتسميها الأمم المتحدة "حالة واضحة من الفصل"، ويسمح للبعض بالمغادرة تحت الحراسة مرتين في الأسبوع، للوصول إلى سوق كانوا ليبيعوا فيه.

وتذكر الكاتبة أن المستشفى الذي كان يمكن معالجة برمين فيبي فيه يمكن الوصول إليه مشيا على الأقدام، ويشير أبوها إليه، ولكنه يعد محرما على سكان هذا السجن المفتوح. 

وينقل التقرير عن طفل عمره 14 عاما، يطلق على نفسه اسم جيمز، قوله: "إن ذهبنا إلى هناك يحقنونا بالسم ليقتلونا"، وهو الخوف الذي يشترك فيه جميع سكان الغيتو. فالناس يعيشون في ظروف سيئة وحصار في أماكن مثل آنغ منغ لار، ما دفع عشرات الآلاف إلى دفع الأموال لمهربي البشر؛ لتهريبهم بالبحر إلى تايلاندا وماليزيا. 

وتنوه الصحيفة إلى أنه قد تم إنقاذ ألفي شخص من قوارب حملتهم من ميانمار وبنغلاديش قبالة السواحل التايلاندية، أو اضطروا للسباحة إلى الشاطئ في ماليزيا وأندونيسيا. ويعتقد أن هناك آلافا مثلهم في قوارب تتلاطمها الأمواج دون وقود أو طعام. ويتوقع أن بداية الأمطار الموسمية ستكون خلال أيام، وسيقف معها موسم التهريب.

وتنقل بيريا عن ناشطين حقوقيين قولهم إن المهربين يعملون مع المسؤولين المحليين، وحتى مع الشرطة، كما أنهم يبتزون هؤلاء الضحايا ويعذبونهم في مخيمات في الغابات جنوب تايلاندا، حيث كشفت السلطات مؤخرا عن وجود عدد من القبور الضحلة. 

ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من محاولة حل تلك المخاطر الواضحة، فليس هناك نقص في أعداد من يحاولون الهروب. ويقول جيمز: "الكثير منا يحاول المغادرة"، وتكشف الزيارة التي قامت بها "الغارديان" إلى آنغ منغ لار عن سبب ذلك.

وتلفت الصحيفة إلى أنه على أطراف المخيم تقيم الشرطة العديد من الحواجز، وتمنع معظم الزوار من الدخول إليه، وفي الداخل يعمل الأطفال جاهدين لإعداد قنوات لتصريف مياه الأمطار الموسمية عندما تصل.

وتذكر الكاتبة أن كثيرا من الأطفال في الغيتو لا يتذكرون الحياة قبل اندلاع المواجهات عام 2012، بعد تقارير، بأن ثلاثة رجال مسلمين قاموا باغتصاب فتاة بوذية من الراخين. وتسبب العنف الذي اندلع بعدها واستمر شهورا، بحرق قرى بكاملها، ومقتل 200 معظمهم من الروهينغا، مع أنه تم تحويل 10 آلاف من الراخين إلى مخيم آخر. 

ويشير التقرير إلى أن الأمم المتحدة قد وصفت الروهينغا، الذين يصل عددهم إلى مليون نسمة أو ثلث سكان الدولة، بأنهم "أكثر الأقليات العرقية اضطهادا" في العالم، في صراع يعود إلى عشرات السنوات.

وتتناول الصحيفة قيام حكم العسكر عام 1982 بتجريدهم من جنسياتهم. وقد رفضت الأنظمة المتعاقبة التي أتت بعد الاستعمار الاعتراف بالروهينغا. وبدلا من ذلك فإن الحكومة تصر على أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش، وتصنفهم على أنهم بنغاليون، مع أن بعضهم يدعون أن جذورهم تعود إلى ما قبل الاستعمار عندما وصل الآلاف حتى في القرن الخامس عشر، عندما كانت مملكة آركان تشتهر بانفتاحها وتنوع سكانها.

وتبين بيريا أن الغيتو هو فصل قائم بذاته من تاريخ البلد، فالبيوت من الخشب والخيزران تضفي شيئا من الحياة الطبيعية، والمدرسة التي تبرعت بها اليابان قبل الاضطرابات الأخير يتم إصلاحها، ولكن لا تعليم بعد ذلك. وبعض البسطات في الشوارع تبيع الأساسيات بأسعار باهظة الثمن؛ بسبب الرشاوى التي على التجار دفعها للحراس، وتخشى المنظمات غير الحكومية العمل هناك؛ خشية انتقام المجتمع المحيط منها.

وينقل التقرير عن رجل نحيف في السبعينيات من عمره، قوله: "لا أحد يأتي هنا، الحكومة تعطينا أكياس الأرز، ولكنها لا تكفي.. أنا مسن وجائع". ويأتي جيمز بعد دقائق ليقول: "يحتاج العالم أن يعرف أننا تُركنا وأنه لا أمل لنا"، ويذكر أنه موجود هناك ليزور بعض أقاربه، ويقول: "اضطررت إلى دفع الرشاوى لآتي إلى هنا من مخيمي، علينا أن ندفع للخروج، لكن هذا ليس عدلا، فأنا أريد أن أدرس، وأريد تحسين لغتي الإنجليزية، ولكن لا أستطيع، أريد أن أكون طبيبا، ولكن الروهينغا لا يسمح لهم بدراسة الطب". 

وتذكر الصحيفة أنه بعد ذلك اجتمع مجموعة من الرجال في ساحة المسجد، وكل منهم حريص على رواية مأساته للغرباء الأجانب، وقال أحدهم: "ياتي طبيب إلى هنا من وقت إلى آخر، ولكن هذا لا يكفي، فلا نستطيع الاستفادة من الخدمات الطبية، ولا توجد لدينا إلا مدرسة ابتدائية"، ثم خرج إلى الخارج، وأشار إلى قبور 20 شخصا، يقول السكان إنهم قتلوا في أحداث العنف عام 2012. 

وتورد الكاتبة ما قاله شريف البالغ من العمر 14 عاما، بأنه يحب أن يدرس الإنجليزية، ويكمل تعليمه الجامعي، ولكنه لا يستطيع. ويقول شريف ما توصل إليه بوضوح: "نطلب من الحكومة أن تعطينا حقوقنا، وإن لم تفعل فسنضحي بأنفسنا من أجل قضيتنا، وسوف نهاجم".

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة هددا بأن يتمددا للمجتمع المسلم في ميانمار، التي انطلق فيها "الجهاد" لفترة قصيرة بعد الحرب العالمية الثانية. وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، فإن الظروف الصعبة جدا التي تعانيها الروهينغا قد تنتج عنها حالة من التطرف، ومما يقلل من هذا الخطر هو أمل تلك الأقلية المسلمة في أن تحصل على دعم من الدول الغربية في حملتها للاعتراف بهم مواطنين بحقوق كاملة في ميانمار.

وتلفت الصحيفة إلى أنه قد تم إنقاذ حوالي 500 مهاجر، يظن أنهم من الروهينغا قبالة سواحل أتشيه في أندونيسيا أوائل هذا الأسبوع. وكانت حكومة الرئيس ثين سين الإصلاحية أصدرت قرارا في شباط/ فبراير بإلغاء الهويات المؤقتة قبل الانتخابات المزمع عقدها في تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكنه طلب بعد ذلك من الروهينغا أن يقدموا طلبات تجنيس.   

ويقول والد الفتاة برمين فيبي للصحيفة: "لا يسمحوا لنا بالتصويت .. وسيعطوننا الجنسية فقط إن عرفنا أنفسنا على أننا بنغاليون، ولكننا لسنا بنغاليين، نحن من ميانمار، ونريد أن نبقى هنا، فأين نذهب؟ نحن من هنا".

وتخلص "الغارديان" إلى أنه خارج الغيتو ينظر مالك شركة مواصلات إلى باصاته القديمة المتوقفة جانب الأسلاك الشائكة بالقرب من شرطي مسلح، ولا يبدو أنه يحمل أي مشاعر سيئة تجاه المسلمين الذين يعيشون في الغيتو، ويلوم المتطرفين الذي أتوا من الخارج لإثارة الصراع. ويقول: "عندي أصدقاء يعيشون في الغيتو، ولكن الآن لا أزورهم؛ لأن الجيران سيتحدثون عني .. ولكننا كنا نزور بعضنا في السابق، وكان أطفالنا يلعبون معا. عودة الوضع ستأخذ وقتا طويلا، وربما تحتاج عدة أجيال، ولكن ليس أقل من 20 عاما".
التعليقات (0)