كتبت قبل أشهر هنا مقالا عن جيوش الكشافة العربية، وعنيت بذلك أن معظم الجيوش العربية، مجرد ديكور وطوابير ونياشين وألقاب مملكة في غير موضعها، ثم كتبت مقالا آخر وصفت فيه رئيس وزراء العراق السابق نوري
المالكي بالغباء، لأنه كان يغار من أنور السادات، الذي اختار لنفسه لقب الرئيس المؤمن، فأراد أن يكون الرئيس المزمن، رغم أنه أس معظم البلاء الذي يعاني منه العراق اليوم، ولو كان المالكي شهاب الدين فمن حل محله في رئاسة الحكومة –
حيدر العبادي – "أخوه".
ورغم أنني لم أقل كلمة طيبة عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حياته أو بعد مماته، فإن خيبات الجيش العراقي وأفراده يولولون: أمي، أبي أدركاني، كلما اقترب منهم مقاتلو الدولة الاسلامية (وإن شئت قل داعش)، تجعلني أتذكر صمود الجيش العراقي لأكثر من ثماني سنوات أمام طوفان الجيش
الإيراني. نعم صدام كان البادئ بالعدوان، ولكن مجريات الأمور أثبتت أنه كان استشرافيا، وقرأ فكر إيران "الثورة" وقرر أن يتعشى بها قبل أن تتغدى به، فها هي إيران اليوم تشعل النيران في أركان العالم العربي، وهي لا تدرك أنها لن تقبض سوى الريح في النهاية، فلا اليمن سيتحوثن، ولا السوريون سيت"فرسنوا"، ولا النجف سيخضع لسطوة قم.
صمد جيش صدام في وجه إيران لأنه كان يملك عقيدة قتالية، هي الدفاع عن الوطن (ولم يوكل صدام أمر الدفاع عن نظام حكمه للجيش النظامي كما هو الحال في كثير من الدول العربية، بل لأجهزة المخابرات، والمليشيات التي كان يشرف عليها ولي عهده قصي)، بينما الجيش الذي أشرف المالكي بمساعدة ضخمة من الأمريكان، بلا عقيدة و "ع الحديدة". يعني مفلس عسكريا ومهنيا، وبالتالي أخلاقيا.
في حروب العصابات التي تقودها عادة جماعات متمردة ضد سلطة مركزية قوية، تعمل تلك الجماعات بأسلوب "أضرب واهرب"، بينما الجيش العراقي وفي مواجهة مقاتلي داعش الهواة، يعمل بأسلوب "اركض واهرب". وهذه فضيحة: جيش نظامي فيه كذا مائة لواء وفريق وعميد ولكنه في النائبات "قعيد".
وعدت الحكومة العراقية في مارس/ آذار المنصرم الشعب بتحرير الموصل خلال أيام، فإذا به يسلم المدن تلو البلدة تلو القرية لتنظيم الدولة، حتى لم تبق تحت سيطرة الدولة سوى خمس بلدات من أصل من 42 في محافظة الأنبار كبرى محافظات العراق، ثم فر الجيش من عاصمة المحافظة الرمادي.
والفرق بين داعش والجيش الكرتوني، هو أن للدواعش عقيدة قتالية، فرغم أنهم لم يتلقوا تدريبا على أيدي المارينز الأشاوس، ولم يدرسوا التكتيك والاستراتيجية في كليات عسكرية، إلا أنهم يبدون مهارات عالية في التخطيط والعمليات الحربية، ولكن في العراق فقط، ففي سوريا مثلا يتقدمون ويتقهقرون، بينما هم في العراق يتقدمون ويتقدمون. نعم خسروا تكريت ولكن البركة في مصفاة بيجي و"العاصمة" الرمادي.
ونكبات وفضائح الجيش العراقي في مواجهة داعش، دليل أيضا على أن الإيرانيين يجعجعون ولا يطحنون، فهم من يدير عمليات الجيش العراقي ويحاربون معه كتفا بكتف، ويهربون معه حذوك النعل بالبوت، والدليل على كرتونية العسكرتاريا الإيرانية أنها تكسب فقط – ولو مرحليا - في الحروب التي تعطي فيها توكيلا لعناصر محلية (حزب الله والحوثيون مثلا)، وجاء الإيرانيون ببدعة
الحشد الشعبي، على أمل أن يكون رديفا للحرس الثوري الإيراني بعد ان تصبح بغداد (في المشمش) عاصمة للإمبراطورية الفارسية في نسختها الجديدة.
وسبق ان استنجدت حكومة المالكي بمليشيات سنية (الصحوات) للقضاء على تنظيم القاعدة، ولأنها لا تعرف الجمع بل الطرح، ولا القسمة بل الضرب، فقد حسبتها "غلط" وتنكرت للصحوات، بعد أن حسبت أن خطر القاعدة زال، ولما اتضح ان القاعدة تحولت إلى "دولة" قامت حكومة العبادي بتجييش شباب الشيعة باسم الحشد الشعبي، وما دخل هذا الحشد قرية إلا جعل أعزة قومها أذلاء، حتى صار كثير من العراقيين يقول: حنانيك شر الدواعش أهون من شر الحواشد!