نشرت صحيفة هافنجتون بوست الفرنسية تقريرا حول نشاط الحركات الداعية لمقاطعة الاحتلال
الإسرائيلي، ورد فيه أن سلاح المقاطعة أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل، رغم سعيها للتقليل من شأنه، والضغط على الدول الغربية لإجهاض هذه التحركات.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المقاطعة هي حرب بمعنى الكلمة، يتم شنها باعتماد أسلحة غير تقليدية. وهذا ينطبق تماما على الحملة العالمية التي تدعو لعزل إسرائيل.
وأضافت أن الأمر لا يتعلق فقط بالطلب الفلسطيني أثناء الاجتماع السنوي للاتحاد الدولي لكرة القدم في زوريخ، والمتمثل في إقصاء إسرائيل من كل الأنشطة الرياضية الدولية، بل أيضا بقرار شركة أورنج الفرنسية للإتصالات، التي فضلت فض الشراكة مع شركة الإتصالات الإسرائيلية، ومنعها من اعتماد ماركة Orange البرتقالية في مختلف فروعها ومنتوجاتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك حصل رغم أن القوانين الفرنسية منعت استعمال سلاح المقاطعة، منذ 7 حزيران/ يونيو 1977، واعتبرته ممارسة للعنصرية الاقتصادية. وهو ما يفسر ربما أن مدير شركة أورنج تجنب الحديث في السياسة والاعتراف بالخلفية السياسية للقرار، ولم يذكر أن قرار الانسحاب جاء على خلفية أنشطة الشركة الإسرائيلية في المستوطنات.
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تعرضت لحملات مماثلة في الماضي، خاصة في السنوات الأولى التي تلت إعلان قيام الدولة العبرية، فقد قامت شركات عملاقة في ذلك الوقت بمقاطعة السوق الإسرائيلية، مثل شركة "رونو" الفرنسية لصناعة السيارات، وشركة "كوكا كولا" الأمريكية للمشروبات الغازية، و"ماكدونالد" للأطعمة السريعة، بفضل ضغوطات كبيرة مارستها الجامعة العربية خلال تلك الفترة.
وقالت الصحيفة أنه يصعب فعليا تقييم الضرر الاقتصادي الناجم عن المقاطعة، ولكن الكثير من المنتجين الذين يعملون ضمن الأراضي المحتلة بعد عام 1967 يشعرون بتأثيرها، ويمتد هذا الضرر ليشمل العمال أيضا، الذين يكون أغلبهم من الفلسطينيين الذين ليس لديهم خيار سوى العمل مع الشركات الإسرائيلية لكسب عيشهم.
وبحسب الصحيفة، فإن العلاقات التجارية بين إسرائيل والشركات العالمية الكبرى لم تتأثر في السنوات الأخيرة، ولكن حجم الصادرات الإسرائيلية نحو أوروبا تراجع، وقد وصلت نسبة التراجع إلى 19 بالمائة بالنسبة للصادرات نحو فرنسا وألمانيا، في مقابل زيادة المبادلات نحو آسيا وأمريكا.
وأكدت الصحيفة أن الإسرائيليين ينظرون بقلق شديد للحملة المعروفة بتسمية BDS، وهي اختصار لعبارة "مقاطعة، سحب الاستثمارات، وتسليط العقوبات"، وتدعو هذه الحركة إلى تحميل إسرائيل مسؤوليتها فيما يحصل في فلسطين، وهي تسعى لإثبات أن دولة إسرائيل هي دول عنصرية تماما مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وقد بدأت هذه الحملة محتشمة في البداية، ثم بدأت تلاقي نجاحا كبيرا منذ سنة 2008، خاصة في البلدان التي تنشط فيها المنظمات المساندة للقضية الفلسطينية، مثل جنوب إفريقيا وبريطانيا وإيرلندا والنرويج. وقد استغلت هذه الحملة فرصة حرب غزة والإنتهاكات الإسرائيلية في القطاع، لتنجح في الوصول إلى الكثير من الناس الذين لم يهتموا بهذه القضية في السابق.
وأضافت الصحيفة أن العديد من الحركات والجمعيات الأخرى تتبنى نفس هذا النهج في العالم الغربي، وخاصة الحركات اليسارية المناهضة للإحتلال والصهيونية، والتي تتهمها إسرائيل دوما "بمعاداة السامية".
كما يشارك في هذه التحركات نشطاء يهود، منهم حتى من يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهم يتلقون دعما من بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل صحيفة هآرتز، وجمعيات إسرائيلية مثل جمعية "بيتسالم، و"السلام الآن"، و"كسر الصمت"، التي قامت مؤخرا بنشر شهادات لجنود إسرائيليين حول انتهاكات الجيش أثناء العدوان على غزة.
وبحسب الصحيفة، فقد حاولت الحكومات الإسرائيلية في الماضي التقليل من شأن دعوات المقاطعة، ولكنها فوجئت بنجاح هذه الحملات واتساع نطاقها، وهو ما دفع بها لاتخاذ قرارات لمجابهة هذه الحرب الاقتصادية، منها إنشاء ديوان خاص بمواجهة حملات المقاطعة، رصدت له ميزانية تبلغ عشرة مليون شيكل، وموارد بشرية هامة، بالإضافة إلى الدعم الكبير من قبل رجال أعمال ومؤسسات ذات نفوذ في العالم.
كما نبهت الصحيفة إلى أن حملات مقاطعة إسرائيل تجد رواجا في الأوساط الأكاديمية، وهو ما يمثل أكبر خطر على هذه "الدولة العبرية"، حيث أن الإلتزام بمناهضة الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية بدأت تنتشر في صفوف الباحثين الأكاديميين، والأساتذة الجامعيين، والطلبة، وهؤلاء يمكن أن تكون لهم كلمة في تحديد مستقبل العلاقة بين الدول الغربية وإسرائيل.