عشرة أيام مضت على إجراء الانتخابات البرلمانية في
تركيا وظهور نتائجها الصادمة التي أنهت حقبة حكومات
حزب العدالة والتنمية، وأعادت تركيا إلى عهد الحكومات الائتلافية، ولكن الصدمة الأولى ومشاعر الحزن والفرح تركت مكانها مع مرور الأيام إلى نقاشات ساخنة حول سيناريوهات تشكيل الحكومة الجديدة.
حزب العدالة والتنمية الذي تراجعت شعبيته في انتخابات 7 حزيران/ يونيو بدأ يتعافى من وقع الصدمة وآثارها السلبية ويدرس خيارات تشكيل الحكومة في لقاءات يشارك فيها قادة الحزب ونوابه. وإن خسر الحزب فرصة تشكيل الحكومة وحده مع تراجع شعبيته فإنه بدأ ينظر إلى النصف الممتلئ للكأس والحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد، وهي أن حزب العدالة والتنمية حل مرة أخرى في المرتبة الأولى وما زال أقوى الأحزاب السياسية التركية وأهمها في السيناريوهات المطروحة لتشكيل الحكومة الائتلافية.
هناك تحليلات وآراء مختلفة حول أسباب تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، وتتفق هذه التحليلات والآراء في معظمها على أن حزب العدالة والتنمية بحاجة ماسة إلى المراجعة وتصحيح أخطائه. ومن المتوقع الآن أن يقوم الحزب بهذه المراجعة في قيادة أحمد داود أوغلو، وأن يعيد بناءه في بعض فروعه بناءً على نتائج المراجعة. وعلى الرغم من وجود أصوات تنادي بعودة الرئيس التركي السابق عبد الله غول إلى قيادة الحزب فإن حزب العدالة والتنمية سيواصل مسيرته في هذه المرحلة بقيادة داود أوغلو، ولا يبدو في الأفق احتمال لتولي غول رئاسة الحزب.
قادة حزب العدالة والتنمية يرون أن نتائج الانتخابات لا تشير إلى الفشل. وإن لم يحصل الحزب على أغلبية في البرلمان التركي تمكنه من تشكيل الحكومة وحده، فإنه ما زال يحتل المرتبة الأولى، والأهم من ذلك أن هذه النتائج تؤكد أن السقف الأدنى الذي يمكن أن تتراجع إليه شعبية حزب العدالة والتنمية بعد السنوات الطويلة التي حكم فيها البلاد وفي ظل تكاتف جميع القوى المعارضة ضده، يتجاوز 40 بالمائة، ولن تتراجع النسبة التي سيحصل عليها الحزب في الانتخابات القادمة إلى أقل من 40.87 بالمائة، التي حصل عليها في السابع من الشهر الجاري، بل إنها سترتفع نحو 45 بالمائة أو أكثر، لأن جميع المؤشرات تشير إلى تنامي مشاعر الندم لدى بعض الناخبين لعدم التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، ومما لا شك فيه أن هذه المشاعر ستزيد قوتها كلما زاد القلق على الاقتصاد بسبب عدم الاستقرار السياسي.
نتائج الانتخابات أسفرت عن حالة سياسية معقّدة، وهناك عدة سيناريوهات للخروج من هذه الحالة. ومن سوء حظ الشامتين بحزب العدالة والتنمية بسبب تراجع شعبيته أن جميع هذه السيناريوهات تصب في صالح هذا الحزب، سواء كانت متعلقة بتشكيل الحكومة الائتلافية أم الانتخابات المبكرة، وبمعنى آخر، فإنه حتى الآن تؤدي جميع الطرق إلى أبواب "حزب
أردوغان".
حزب العدالة والتنمية سيكون الشريك الأقوى في حال مشاركته في الحكومة مع أي من الأحزاب الثلاثة الأخرى، ولن يتخلى عن الوزارات السيادية وسيتولى رئاسة مجلس الوزراء أحمد داود أوغلو، وبالتالي فإنها لن تختلف سياسات الحكومة الجديدة كثيرا عن سياسات سابقتها.
الاحتمال الوحيد الذي يبقي حزب العدالة والتنمية خارج تشكيل الحكومة هو تحالف حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي لتشكيل الحكومة، ولكن هذا الاحتمال ضئيل للغاية إن لم يكن مستحيلا، لأنه يعني تحالف القوميين الأتراك مع القوميين الأكراد، وهذا ما لا يقبله كلا الطرفين، كما صرح بذلك رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، في حديثه لموقع مقرب من حزبه، حيث إنه رفض المشاركة مع حزب الشعوب الديمقراطي في أي حكومة ائتلافية، واصفا هذا الأخير بـ"الساعي السياسي للمنظمة الإرهابية"، في إشارة إلى علاقة حزب الشعوب الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني.
أما الانتخابات المبكرة، فيشير معظم المحللين إلى أنها ستكون لصالح حزب العدالة والتنمية، لأنها لن يتم إجراؤها إلا في حال تعذر تشكيل الحكومة، كمخرج أخير للخروج من الأزمة، ومن المؤكد أن الانتخابات المبكرة التي ستجرى بعد حالة من الغموض والقلق والأزمة السياسية، وبعد فشل الأحزاب المعارضة في تشكيل حكومة وتقديم بديل لحكومة حزب العدالة والتنمية، ستدفع نسبة من الناخبين الذين لم يصوتوا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة إلى التصويت له في تلك الانتخابات، رغبةً في استمرار الاستقرار السياسي وإزالة حالة الغموض حتى لا يتدهور اقتصاد البلاد.