نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرا حول الأوضاع المتردية للإعلام المصري في ظل النظام
العسكري برئاسة عبدالفتاح
السيسي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "من غير المسموح لأي جهة إعلامية بانتقاد الحكومة ومصالحها، حيث يجبر الإعلامي على أن يكون بوقا للنظام العسكري، وفي حال أبدى أية معارضة؛ فإن أعماله تمنع من العرض، وقد يصل الأمر إلى حد اعتقاله".
وأشارت إلى حالة الحيرة التي انتابت الإعلاميين المصريين أيام اعتصامات ميدان التحرير المنادية بسقوط حسني مبارك، حيث لم يعرفوا إن كان عليهم التخلي عن مهنتهم، أو الدفاع عن الرئيس المخلوع، لافتة إلى أنه في حين اختار بعضهم الدفاع عن المتظاهرين، كالمؤسس المساعد لجريدة التحرير إبراهيم عيسى، فقد هاجمهم آخرون، مثل المذيع
خيري رمضان، الذي اتهم جهات أجنبية متآمرة بدعمهم.
غير أن إبراهيم عيسى ـ بحسب الصحيفة ـ انقلب على عقبيه ليدعم نظام عبدالفتاح السيسي، كغيره من الإعلاميين الذين لا يتجرأون اليوم على التصريح بأن عدد القتلى في "انتفاضة" كانون الثاني/ يناير 2011 قد تجاوز الـ900، ويدّعون أنه لم يفُقْ الـ36.
وقالت "الغارديان" إن النظام المصري يوظف حجة "الأمن القومي" لتكميم أفواه الصحفيين واعتقالهم، "إذ يقبع ما لا يقل عن 18 صحفيا وراء القضبان، في حين يهدد البقية بالسجن في حال مخالفتهم الخط التحريري".
وأضافت أن العديد من الإعلاميين المصريين قد أبدوا استعدادهم للاضطلاع بدور الناطق الرسمي باسم الحكومة، مثل الوجه الإعلامي المعروف أحمد موسى الذي صرح باستعداده لـ"فعل أي شيء يطلبه العسكر (...) احتراما للمؤسسات"، معلنا عن استعداده لخدمة كل من الحكومة والشرطة.
من جهته؛ أكد الإعلامي في قناة النهار محمود سعد، على وجوب عدم السير ضد تيار العسكر، معبرا عن استمتاعه بالقدرة على التأثير في المشاهدين وتوجيههم، بحسب الصحيفة.
وبالعودة إلى ما قبل "انتفاضة" 2011، قالت "الغارديان" إن الإعلاميين المصريين لم يكن يسمح لهم بالتعرض للرئيس وعائلته المقربة، وحتى لوزارتي الدفاع والداخلية، وإن كان بالإمكان تسليط نوع من الضغط على الحكومة عند الحاجة، بحسب مراسل صحيفة الوطن، أحمد غنيم.
غير أن وسائل الإعلام قد انخرطت في موجة من الشكر والاعتذارات عقب سقوط نظام مبارك، لتؤكد على استحالة العودة إلى عهد "المذلة"، كما فعل الوجه البارز في قناة "أون تي في"
عمرو أديب، الذي كان يشيد بـ"حماية مبارك لحرية التعبير"، قبل أن ينقلب على عقبيه إثر رحيل هذا الأخير عن السلطة؛ ويعترف بـ"جبنهم" السابق.
ولفتت الصحيفة إلى أن الإعلاميين المصريين يقودون بالفعل الرأي العام في مصر التي تبلغ فيها نسبة الأمية حوالي 25 بالمئة، "غير أن دورهم أصبح ضبابيا؛ بعد أن كانوا قد انتقدوا سابقا ما اقترفته الحكومة والعسكر في حق متظاهري 2011".
وأضافت أن معظم الشباب المصري يسخر من إعلام وطنه، في حين بدا العديد من المتقدمين في السن غير معترضين على عودته لبيت الطاعة.
وذكرت أنه في ظل الضغط الذي يسلطه النظام المصري؛ أصبح الصحفيون يمارسون "الرقابة الذاتية" لتفادي تعرضهم للمضايقات، أو منع أعمالهم من النشر، وهو ما أكده مراسل موقع "دوت مصر" محمد أبو عيسى.
وأضاف أبو عيسى لـ"الغارديان" أنه يعجز عن "الربط بين إفلاس الحكومة من جهة، وانخراطها في الحرب ضد اليمن مقابل تخليها عن أولوياتها الداخلية من جهة أخرى"، مشيرا إلى أنه على يقين من أن هذا الطرح لن يمكن نشره في الموقع الذي يعمل فيه، لأنه "سيعود بالوبال على الموقع، ما يدفع هيئة التحرير إلى عدم نشره".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن صحفيي جريدة "المصري اليوم" قولهم إن الإعلاميين المصريين على وعي بالمواضيع التي لا يجب الخوض فيها، حيث كانت الصحيفة قد تعرضت للمقاضاة من قبل وزارة الداخلية على خلفية نشرها تقريرا عن انتهاكات الشرطة، على الرغم من ثنائها الذي وجهته للسلطات في "سعيها لمقاومة الإرهاب"، ويتوقع أن يمثل عدد من صحافييها أمام المدعي العام.
من جهته؛ تحدث محمود سعد عن سياسة الإملاءات التي كان نظام حسني مبارك يتبعها، مشيرا إلى مكالمة تلقاها من وزير الإعلام المصري السابق أنس الفقي؛ أمره فيها بادعاء وقوف جماعة الإخوان المسلمين وراء مظاهرات 25 كانون الثاني/ يناير، وهو ما رفضه سعد، على حد قوله.
غير أن العديد من الصحفيين، من أمثال خيري رمضان الإعلامي في قناة CBC، ينكرون أن يكون النظام المصري بصدد إكراه الإعلاميين على الالتزام بخط تحريري معين، وهو ما تنفيه تصريحات الإعلامي بقناة صدى البلد، أحمد أمير، الذي أكد أنه لن يتوانى في ترك مهنة الصحافة إذا ما وجد بديلا، وهو ما أقدم عليه عدد كبير من الصحافيين.
وفي الختام؛ نقلت صحيفة "الغارديان" حالة الضيق التي يعيشها الإعلاميون المصريون الذين أصبحوا "مجرد أدوات بأيدي وسائل الإعلام (...) فقد أصبحت هذه المهنة ملكا لمن فقدوا ضمائرهم"، بحسب تعبير أحمد أمير.