عشية اجتماع رئيس
تيار المستقبل اللبناني النائب سعد الحريري في مقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض إلى أركان تياره من وزراء ونواب وقيادات بارزة، يستعد الرفاق المتخاصمون لتقديم مرافعاتهم في اجتماع ترتيب البيت الداخلي للتيار السياسي الأوسع تمثيلاً للطائفة السنية وفق آخر انتخابات نيابية أجريت في العام 2009.
الاجتماع، دعا الرئيس الحريري لعقده بعد غد الأحد تحت وطأة استفحال الخلافات داخل البيت الواحد، التي طفا بعضها على السطح بعد فضيحة تسرّب شريطي فيديو إلى العلن، يظهر فيهما مجموعة من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي (المحسوبة وفق التركيبة اللبنانية على تيار المستقبل) في أثناء تعذيبها وإذلالها معتقلين إسلاميين تم توقيفهم منذ عدة شهور دون محاكمة، بسبب ما يُعتقد بقيامهم بأعمال مساندة للثورة السورية، ما فجّر عاصفة احتجاجات هدأت بعد أسبوع على لوحة "شعبوية سنية" من أيقونتين، الأولى للاستبداد والتفريط بحقوق الطائفة أُلصقت بوزير الداخلية نهاد
المشنوق (تيار المستقبل)، الذي رفض الاستقالة من منصبه الوزاري، كما دعته لذلك هيئة علماء المسلمين فحمّلته أوساط شعبية كامل المسؤولية السياسية والمعنوية عن إذلال المعتقلين وبينهم رجال دين.
أما الأيقونة الثانية فهي للإنصاف والنخوة، تمثلت بوزير العدل أشرف ريفي (من تيار المستقبل أيضاً) الذي اعتبرته الأوساط نفسها حامي حمى أهل السنة في لبنان، خصوصاً أنه حرص منذ اللحظة الأولى لانفجار أزمة فيديو
التعذيب، على الظهور قلبا وقالبا إلى جانب عائلات المعتقلين الإسلاميين وهيئة علماء المسلمين.
الوزيران اللذان يعتبرهما الإعلام المحلي المحايد متنافسين مستقبليين على رئاسة الحكومة، التقيا إثر عاصفة فيديو التعذيب والتقطا صورة ودية أمام الإعلام، تردد أنها تمت بناء لطلب الرئيس سعد الحريري الذي بلّغهما بلقاء قريب لكشف الأوراق وفتح القلوب.
يوم الأحد سيتحدث نهاد المشنوق إلى سعد الحريري أمام قيادات "المستقبل" ليُسمع أشرف ريفي تخصيصاً، ويقول إنه من السهل عليه -أي المشنوق- أن يتخذ مواقف أكثر شعبوية لدى الطائفة السنية، لكن مسؤوليته كأي وزير للداخلية لا تسمح له بالبحث عن أصوات انتخابية، ورغم أن مكافحتنا الإرهاب لا تتيح لنا- والكلام الافتراضي ما زال لوزير الداخلية نهاد المشنوق -مخالفة القوانين في سجون وزارة الداخلية، إلا أن الاستثمار السياسي الذي تم على هامش فضيحة فيديو التعذيب من أجل تصفية حسابات شخصية مع وزير الداخلية ضمن البيت الواحد، لن يسهم إلا في دعم تمدد الإرهاب على حساب منطق الدولة التي لا يملك تيار المستقبل مشروعاً بديلا عنها.
في المقابل وعندما ستُعطى الكلمة لأشرف ريفي سيتحدث عن مخاطر حقيقية تهدد علاقة تيار المستقبل ببيئته الحاضنة "السنية"، التي باتت تشعر بأنها مضطهدة في لبنان، أكان في التعاطي الأمني أو القضائي العسكري أو السياسي أو حتى الإنمائي، وأن "المستقبل" لم يعد قادرا على حمايتها، وإذا غرق مركب التيار فسيغرق بقياداته جميعا دون تمييز، وأن جُل ما يفعله ريفي هو إعطاء مسكنات وجرعات معنويات اصطناعية للشارع السني لن تصمد كثيرا، إذا استمر الكيل بمكيالين بين منطقة وأخرى وسجين وآخر ومطلوب للعدالة وآخر وبين مناصري النظام السوري ومناصري المعارضة السورية.
سيسأل أشرف ريفي عن المصلحة من ظهور وزراء تيار المستقبل بأنهم ينفذون سياسة
حزب الله، الذي يسعى إلى السيطرة الكلية على مفاصل الدولة، وسيسأل ريفي ماذا سيكون مصير "المستقبل" برمته لو تمت هذه السيطرة، سيدعو ريفي الحريري إلى الإصغاء لنبض الشارع السني والاعتراف بهواجسه بدلاً من تجاهلها، والتعامي عنها فتصعب إذ ذاك قيادته إلى جادة الصواب.
هذا هو جانب من حوارٍ افتراضي غير مباشر بين قطبَي "المستقبل" الوزاريين أشرف ريفي ونهاد المشنوق، كجزء من نقاشات لن تبدأ ولن تنتهي عندهما، فهناك ملفات خلافية أخرى ومتشعبة على طاولة الحريري، بدأت تُشعره بالسخن (تنذره بعواقب غير محمودة) ليست مستعصية على الحل، لكن لم يعد بالإمكان القفز فوقها كما كان يجري دائماً في الماضي، فتيار المستقبل برمته مهدد بأن يصبح من الماضي إذا لم يحسن مواكبة متغيرات المنطقة الدراماتيكية بكثير من الوحدة والحكمة.