في الوقت الذي انهمكت فيه الحكومات في
الخليج العربي في محاربة
الإصلاح وظاهرة التغيير العربي وتشجيع الانقلابات؛ كانت ظاهرة
الطائفية تتبلور في الخليج بصمت وبرعاية خفية من بعض السلطات التي تستخدمها كمبرر لقمع أي حراك إصلاحي وإنهاك المجتمع في صراعات داخلية.
وهناك اليوم دراسات علمية وأطروحات دكتوراة في الجامعات الغربية تناقش العلاقة المطردة بين مقاومة السلطات العربية للتغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي في المنطقة العربية وبين زيادة العنف وظهور الطائفية.
وهذه الدراسات تؤكد أن الإمعان في محاربة التغيير وتضييق الخناق على الحقوق والحريات وإغلاق أبواب المشاركة السياسية وحرمان المواطنين من حقوق المواطنة المتساوية وإغلاق جميع أبواب التغيير السلمي، كل هذه السياسات تؤدي إلى زيادات الاحتقانات الداخلية والتوترات الطائفية وتغذية منابع التطرف وإيجاد الذارئع للجماعات المتطرفة وتهيئة الأجواء النفسية للاستقطاب الطائفي واستقطاب جماعات العنف.
وقد بدأت اليوم تظهر بعض تجليات هذا الحصاد المقيت لظاهرة الطائفية الخطيرة كنتاج مباشر للسياسات القمعية ومحاربة دعوات الإصلاح.
وإذا كانت الظاهرة الطائفية اليوم قد بدأت تدق أجراس الخطر فما يزال في مقدور العقلاء والحكماء وجميع المخلصين من ابناء شعوب الخليج العربي التداعي لوأد هذه الفتنة وهي ما تزال في مرحلة المخاض قبل أن يبلغ السيل الزبى وتبلغ القلوب الحناجر وتنقطع السبل أمام ذوي الألباب فلا يجدون قولا ولا فصلا.
ومن الغباء الفاضح والكارثي أن ننشغل اليوم بأعراض الظاهرة ونتجاهل الأسباب والسياسات والمناخات التي تعمل تغذيتها وتهيئت المناخات المناسبة لظهورها وإعادة تبلورها من جديد.
فكلما واجهنا عرض من أعراض الظاهرة ساهمت سياساتنا في تخليق عشرات الأسباب والفرص الموأتية لظهور أعراض أكثر ربما أكثر تطرفا أو أشد خطورة وربما تصل إلى مرحلة الانفجار الخطير والمدمر.
إن تبسيط السلطات للخطر الطائفي الذي ساهمت في تأسيسه والاعتقاد بإمكانية تجاوز هذا الخطر بالحلول السطحية و الخطابات العاطفية سيعود بالويل والثبور على المنطقة ولن ينجو أحد من الخطر.
إن معالجة الظاهرة يحتاج إلى الاستشعار الجاد لخطورة الظاهرة وتولد الإرادة السياسية لمعالجة هذه الظاهرة معالجة علمية عميقة وحقيقية ولا تتركز على الأعراض وتتجاهل الأسباب والمناخات التي تساعد على نمو الظاهرة وتكاثرها.
وإذا كانت الدراسات قد أكدت كما ألمحنا سابقا حقيقة العلاقة المطردة بين مقاومة السلطات العربية للتغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي في المنطقة العربية وبين زيادة العنف و تبلور الظاهرة الطائفية.
فإن الدراسات الجادة تؤكدة حقيقة أخرى وهي وجود علاقة عكسية بين تعزيز الحقوق والحريات وفتح أبواب المشاركة السياسية ومحاربة الفساد وتجسيد معايير النزاهة والحكم الرشيد واحترام حقوق المواطنة وفتح أبواب التغيير السلمي واحترام التنوع المذهبي وبين تراجع الاحتقانات والتوترات الداخلية وغياب الصراع الطائفي.
فالإصلاح السياسي و الحقوقي هو الكفيل بتضييق المناخات التي تعمل على تغذية ظاهرة التطرف ويسحب الذرائع التي تستخدمها الجماعات المتطرفة في الاستقطاب والتحريض....
كل مشكلة ولها حل ولكن البحث عن الحلول يحتاج إلى إرادة جادة وصادقة لدراسة الأسباب الحقيقية للظاهرة وتقبل النقد والاستعداد لتقديم التنازلات، ولا تعالج هذه الظاهرة بالحلول السطحية التي يهدف من يقدمها إلى مراعاة مصالح السلطات فقط مع التغاضي خوفا أو نفاقاً عن السياسات والمصالح غير المشروعة التي اسهمت في توتير الأجواء وصب الزيت على النار.
فالبحث الجاد عن الأسباب الداخلية والخارجية للظاهرة هو المقدمة الحقيقية للوقوف على سبل معالجة الظاهرة ومواجهتها قبل أن يتوسع نطاقها وتتداخل الأسباب وتتعقد فرص الحل وتغرق المنطقة في دوامة عنف قد لا تخرج منها بسهولة والله المستعان.