نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا حول الوضع في مدينة
تكريت العراقية، بعد تحريرها من أيدي مقاتلي
تنظيم الدولة، وإعطاء الضوء الأخضر للسكان للعودة إليها منذ 15 حزيران/ يونيو الماضي، نقلت فيه معاناة العائلات التي عادت إلى المدينة لتجد خرابا ودمارا، مشيرة إلى أن العديد من العائلات رفضت العودة إلى المدينة خوفا من اندلاع "مناوشات قبلية".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه قد تم تحرير مدينة تكريت منذ 31 آذار/ مارس الماضي، وتم إخلاء مساحة جغرافية تمتد إلى 70 كيلومترا شمال المدينة من أي وجود لمقاتلي تنظيم الدولة، كما أنه تم تركيز العديد من التحصينات والخطوط الدفاعية، فيما لا يزال البحث جاريا عن الذين سهلوا الدخول والسيطرة على هذه المدينة التي كانت تمثل معقل الرئيس السابق صدام حسين.
ونقلت عن رئيس وحدة الاستعلامات العسكرية في محافظة صلاح الدين، الضابط كريم سلمان، قوله إن 10 عائدين إلى المدينة فوجئوا بوجود أسمائهم على لوائح المطلوبين للتحقيق في هذا الموضوع، وذلك عند مرورهم بإحدى نقاط التفتيش.
وذكرت أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بادر بإعلام سكان تكريت الذين اضطروا للهروب؛ أن بإمكانهم العودة إلى منازلهم منذ 15 حزيران/ يونيو الماضي، معتبرة أن "هذه الرسالة الإيجابية؛ أرادت من خلالها الحكومة العراقية التغطية على ما وقع من أحداث خلال تحرير المدينة؛ من سرقة ونهب وابتزاز من قبل قوات حفظ الأمن، والمليشيات الشيعية، وبعض المقاتلين السنة".
وأضافت أن
المليشيات الشيعية سلمت رسميا زمام الأمور الأمنية للشرطة المحلية وإحدى مجموعات "الحشد الشعبي" المنتمية لقبيلة الجبور السنية، ولكن الواقع الميداني لم يتغير كثيرا حيث لا تزال مليشيات "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" تسيطر على المنطقة.
ونقلت الصحيفة معاناة عائلة مُصلح، وهي عائلة سنية تحاول العودة إلى تكريت بعد تحريرها، حيث اضطرت العائلة لانتظار صف السيارات الطويل أمام كل نقطة مراقبة، واضطر الأب ناصر إلى ترك أفراد عائلته التسعة المتزاحمين في السيارة التي تحمل أيضا أمتعتهم الشخصية، لمدة ساعة كاملة، من أجل ملء الاستمارة الأمنية، والحصول على تأشيرة الدخول إلى المدينة، بعد التثبت من أن جميع أفراد العائلة ليست لهم أي علاقة بمقاتلي تنظيم الدولة.
وقالت إن العائدين يجدون عناء كبيرا في التعامل مع نقاط التفتيش العديدة، ولكنهم مقتنعون في الوقت نفسه بضرورتها، من أجل تأمين الحماية وتشجيع بقية السكان على العودة.
وأضافت الصحيفة أن عمدة تكريت، عمر الشندار، يقوم بتشجيع المواطنين على العودة، ويطمئنهم بأنه قد تم التخلص من جميع القنابل والمتفجرات، وأن أكثر من 80 بالمائة من منازل المدينة قد تمت إعادة ربطها بالماء والكهرباء، وأن عددا من التجار قد أعادوا فتح محلاتهم بالرغم من نقص الطحين والغاز.
ولكنها أشارت إلى حالة الصدمة والذهول التي واجهها العائدون إلى المدينة، وخاصة أولئك الذين غادروها منذ بداية هجوم تنظيم الدولة، "حيث تحولت جوهرة صدام حسين إلى دمار وخراب: قصور وعمارات مهدمة، ومغارات منهوبة، وسيارات أكلها الصدأ، وكتابات على الجدران تمجد الإمام الحسين وعلي الخامنئي، خلّفتها المليشيات الشيعية وحليفتها الإيرانية وراءها".
وأكدت الصحيفة أنه بينما كانت تروج السلطات المحلية إلى أنه قد تم تدمير 400 منزل فقط؛ فقد وجد عدد كبير من العائدين إلى منازلهم أن ممتلكاتهم قد تحولت إلى خراب، واضطروا إلى المبيت عند الأقارب بينما كانوا يقومون بإصلاح وإعادة تهيئة مساكنهم الأصلية.
وأضافت أنه حتى المنازل البعيدة عن المناطق التي دارت فيها المواجهات؛ أصبحت رأسا على عقب، "نتيجة السرقات المتعددة وعمليات النهب المتواصلة التي قام بها مقاتلو تنظيم الدولة في مرحلة، ومقاتلو المليشيات الشيعية في مرحلة أخرى"، على حد قولها.
وأوضحت أن السكان الذين لا يزال بحوزتهم بعض المال؛ يقومون برحلات دورية من أجل تنظيف المكان قبل العودة نهائيا، وأن السكان غير القادرين على ذلك يضطرون إلى السكن في هذه الفوضى، حيث تم سرقة كل شيء ثمين، وترك المكان في حالة مزرية من الوسخ والفضلات.
وقالت إن العديد من سكان المدينة يرفضون العودة لمسقط رأسهم؛ خوفا من اندلاع موجة تصفيات جسدية باعتبار الخلفيات القبلية، مشيرة في هذا السياق إلى حالة أبو إبراهيم، وهو أستاذ في جامعة تكريت، يرفض العودة للمدينة بعد أن سيطرت عليها قبيلة الجبور التي ينتمي إليها أغلب مسؤولي المدينة الذين لطالما اتهمهم بالفساد، كما أن انتماءه للقبيلة التي ينحدر منها صدام حسين، والتي يكرهها الجبور والمليشيات الشيعية على حد سواء؛ سيكون أيضا سببا في مقتله إذا ما غامر وعاد إلى المدينة.
وأكدت صحيفة "لوموند" أن أحدا من قبيلتي "البوناصر" و"البوعُجيل"، اللتين تم اتهامهما بالتواطؤ مع مقاتلي تنظيم الدولة ومساعدتهم خلال مجزرة سبايكر في حزيران/ يونيو 2014، لن يغامر بالرجوع إلى تكريت؛ خوفا من الانتقام والاختطاف والابتزاز، في انتظار عقد لقاءات بين القبائل من أجل منح الأمان لأولئك الذين لم يتورطوا في مساندة تنظيم الدولة.