منذ مشهد 3يوليو 2013 الذى جمع فيه قائد القوات المسلحه جناحي المؤسسات الدينية من أزهر وكنيسة وغيرها من مفاتيح مؤسسية وفصائل تعبويه، ليعلن الانقلاب ليس فقط على رئيس إسلامي منتخب، ولو أخفق في الإدارة كما قيمته شعبويا قطاعات من الشعب، ولكنه الانقلاب على ثورة يناير ومكتسباتها الديمقراطية واستعادة الحكم رسميا لأحضان أبناء المؤسسة العسكرية.
ومنذ ذلك المشهد وأخذ رموز تلك المؤسسات على عاتقهم مسؤولية تنصيب الفرعون الجديد، وتثبيت أقدامه بكل أنواع الخطابات دينيه أو سياسية، تتبنى لغة واحدة ورساله عاطفية منقوصة لدغدغة الوعي الجمعي واستلاب العقول والجيوب أيضا.
وفي نظرية استلاب العقول بجانب منصات الشحن الإعلامي، لابد من حضور الخطاب الديني لما له من تأثير في المجتمع
المصري.
فلا عجب أنك تجد فتاوى تشيطن الخصم السياسي وتستبيحه، ولا عجب أن تقوم رموز دينية كبيرة بالتبرع من أموال الفقراء لمشروع مشكوك في جدواه الاقتصادية، كمشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس وتشجيع شرائح وقطاعات من المجتمع لضخ أموال طائلة، يأتي جلها من جيوب البسطاء والمطحونين ومحدودي الدخل، في وقت تشكل فيه التحديات الاقتصادية وانعدام الرؤية لحلول مستدامه لمشكلات مزمنة، مثل البطالة والتعليم والعلاج والدعم وغيرها التحدي الأكبر لنظام أعلن أنه لا يملك برنامج (ومعندوش يديك من البداية).
وتوصيف العلاقة بين النظام ومؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة الأرثوذكسية، بالتحديد لأنها تمثل أغلبية مسيحيي مصر، تلك العلاقة يصعب توصيفها إجمالا وعلى مدار التاريخ؛ لأنها شهدت تعقيدات وتشابكات بتعقيد الحقب التاريخيه، فتارة ترى المؤسسات الدينية تؤدي دورا وطنيا ونضاليا خالصا ومستقلا، بوصلته الوطن والكفاح ضد الاستعمار والوقوف ضد الطغيان والظلم والتجبر، وشهدت حقبة ما قبل الحكم العكسري وخاصة فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر بلورة لهذا الفكر والدور، وكل متابع يستطيع أن يشهد التحول الدراماتيكي لدور تلك المؤسسات ورموزها لنرصد تزايد الخضوع للسلطة وتبعيتها منذ عام 1952، وعلى مدار الحقب التاريخيه والحكام المتعاقبين لتصبح تلك المؤسسات خاضعه للسلطة خضوعا شبه تام، وربما نستطيع أن نقول إنها أصبحت المحلل الديني والشرعي لوجودها.
تعلمت شخصيا من موقف البابا شنودة الثالث عدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني وتخليت عن حلمي الروحي بزيارة بيت لحم والقدس مدينة السلام، ولكني لا أعرف لماذا يصمت هؤلاء الآن لنقبل أن الاحتلال الصهيوني صار صديقا، ومن يقاومه من حركات هي العدو، وتكون بعض خطب الجمع في المساجد مخصصة لشيطنة تلك الحركات، ولتكريس الخلط الرهيب بين مصطلحات المقاومة المشروعة والإرهاب، بينما يزور مصر وفد من الأصدقاء الإسرائيليين لتباحث التعاون الأمني يشيطن هؤلاء فرق المقاومة الفلسطينية، فلا هم خدموا قضايا شرعية ودينية، ولا هم خدموا قضايا حياتية.
عندما تتحدث بصوت لهؤلاء من الرموز وتقول لهم أين أنتم من موت الأبرياء داخل السجون وأماكن الاحتجاز، وأين أنتم من حقوق أبناء هذا الوطن المهدورة في العيش بكرامة والوصول لحد الكفايه؟!!!
نعم هناك عنف في الشارع وعمليات إرهابية في سيناء وفي المحافظات والقاهرة المكلومة، ولكن هل لكم أن تدركوا أن هناك آلافا من الضحايا والمكلومين والمظلومين ممن ليس لهم صوت ولا عائل ولا سند؟ وأين أنتم من شباب يناير ممن وقفتم ضدهم في الخروج على مبارك؟ واين أنتم من خطاب الكراهية والانقسام الرهيب والاحتقان الطائفي بين قطاعات كبيره من الشعب، فضلا عن تعقيد المشهد السياسي والأمني ليصبح استشراف المستقبل القريب مدعاة للإحباط والاكتئاب لدى قطاع كبير من المصريين؟
هل لكم أن تدركوا أن حلم الشباب الآن أن يطير من تلك الأقفاص الحديدة مغادرا الوطن بلا وجهه، وقد يركب الآلاف منهم مراكب الموت هربا لعالم أفضل، أو يهرب طوعيا لعالم آخر من المخدرات.
أليس من دواعي تجديد الخطاب الديني الدفاع عن الضعفاء والمحتاجين والمظلومين؟!!
أو أليس من دواعي تجديد الخطاب الديني أن نكف عن شيطنة الآخر، ولا نصدر أحكاما جماعية ولا نهلل لانتهاك الآخر؟!
أو ليس من دواعي تجديد الخطاب الديني الدعوة للتسامح والتعايش والقبول بالآخر المختلف؟!!!
أو ليس من دواعي تجديد الخطاب الديني نصح الحاكم الظالم بوقف ظلمه واستبداده وعجرفته وبطشه بالضعفاء؟!!
أو ليس من دواعي تجديد الخطاب الديني الرؤية المخلصة لواقع معقد يحتاج لحوار شامل وبلا اشتراطات، حوار مسؤول من أجل مصر.
فمتى ينادى الأزهر والكنيسة بحوار وطني مخلص من أجل مصر؟!!!