كتاب عربي 21

حركة الاحتجاج المصرية في عامين (2/3)

شريف أيمن
1300x600
1300x600
استعرض المقال السابق حالة الحشد السابقة على التظاهرات، ثم تطور حجمها عقب 30 حزيران/ يونيو 2013 حتى فض رابعة العدوية.

المرحلة الثانية: ما بعد الفض وحتى السادس من أكتوبر:

مع بداية عملية الفض الوحشية توجه الآلاف إلى مقر الاعتصام للمساندة وارتقى من الذاهبين للدعم الكثير، وقد أدى انخراط النظام في عنف على هذا النطاق المتسع لتورطه مع ذوي المتواجدين هناك، وكذلك رفع بعضا من الضغائن لدى مَن اعترضوا على نظام يوليو والإخوان فساهم ذلك في التحرك لنجدة المعتصمين والتضامن معهم بعد ذلك.

 وبعد انتهاء العملية الوحشية التي قُدر قتلاها بالمئات -على أقل تقدير- ودفن ذوي الضحايا للمتوفين انطلقت موجة غضب في غاية الاتساع ربما تشبه حشود يناير في التقديرات والصمود، واعتمد النظام في تعامله معها على ترك مساحات للحركة في الشارع لساعات إلا أنها تنتهي أسبوعيا بأعداد من القتلى بخلاف المئات في مجزرة رمسيس 16/8 وبلغت أعداد المعتقلين حوالي 40000 معتقل، بخلاف تقديرات القتلى الكبيرة، كل ذلك ساهم في زيادة الغضب؛ فكل قتيل ومصاب ومعتقل لديه روابط مجتمعية ورابطة رحم، ومع توسع الدوائر المتضررة من القمع والبطش يزداد الاحتجاج، وظلت الأعداد طوال مرحلة ما بعد الفض وحتى السادس من أكتوبر 2013 في تزايد كبير، وقُدّر الحشد على سبيل المثال في إحدى تظاهرات شرق القاهرة في ذكرى أكتوبر بما يجاوز الربع مليون متظاهر بخلاف باقي التظاهرات بالقاهرة والمحافظات، وانتهى حشد اليوم مع ما عُرف بمجزرة الدقي، وارتقى في هذا اليوم واحد وخمسون متظاهرا ليسدل الستار على مرحلة تضرر فيها النظام بشدة لحجم التظاهرات، ورفْعها مع ما صاحبها من عنف للغطاء والدعم الدوليين له -المعلن على الأقل- واختلفت طريقة تعامله مع التظاهرات، وكذلك اختلفت نظرة المشاركين فيها.

المرحلة الثالثة: ما بعد السادس من أكتوبر وحتى أوائل 2014:

الجهات التي أعدت لانقلاب يوليو كانت تدرك أهمية القاهرة مركزا للاهتمام الدولي بحركة الاحتجاج، فركزت التواجد فيها حين رغبت في الإطاحة بالنظام، ثم ركزت على إفراغها من مظاهر الحشد بعد السادس من أكتوبر بعد فترة السماح السابقة، وربما كان ذلك لأجل ترك مساحة لتنفيس الغضب من المجزرة، أو سوء تقدير للموقف تم تداركه بعد لفت الانتباه للحشود بها، فبدأ بمحاصرة أماكن التجمعات المعتادة ليمنع المسيرات في بدايتها أو قبل بدايتها بخلاف ما سبق عندما كان يضع لها حدا ولا يمنعها ابتداء، واعتقل العشرات أسبوعيا، وتعامل بعنف شديد إلا أنه كان بسقف؛ فالرصاص الحي ظل يطلق بكثافة إلا أن "أغلبه" كان بالهواء وعادت المواجهات بالقنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش ومع صمود المتظاهرين يدخل الرصاص الحي لإنهاء الفعالية، ومع تزايد الضغوط اعتمد المنظمون على سياسة "الفراشات" في المظاهرات، وهي فعاليات سرية ومحدودة الزمن ولا تهدف للاحتكاك بالأمن، ولاتزال الحالة على هيئتها دون تغير كبير.

أما بالنسبة للمتظاهرين فتشكلت لديهم حالة من الغضب بعد أكتوبر، فالسياسة التي اعتمدها المنظمون -بالقاهرة على الأقل- من بعد الفض، الذهاب لأي مكان مع إمكانية وجود احتكاك "محدود" مع الأمن المتواجد عند النقاط التي أراد إيقاف التظاهر عندها، دون تحرك مباشر منه لمهاجمة التظاهرات قبل الوصول إلى تلك النقاط مثل القصور الرئاسية وبعض الميادين، وبمجرد الاشتباك يتم الانسحاب وتبقى أعداد أقل تشتبك مع القوات المتواجدة، الأمر الذي كان يؤدي لاعتقالات ووفيات، فأصبح التساؤل المطروح: إذا كان الاشتباك الذي يؤدي لهذه المضار دون طائل مرفوضا -والرفض صواب- فلماذا نذهب أصلا؟ وبرز التساؤل الأهم: ماذا بعد؟ فغياب الرؤية لإنهاء الانقلاب على المسار الديموقراطي والحريات والحقوق المكتسبة بعد ثورة يناير ساهم في إحجام أطراف كانت مشاركة، كما أن الإصرار وجود فعاليات يومية في المنطقة الواحدة ساهم في إيجاد حالة من العزوف عن المشاركة خاصة مع الأعباء الأخرى الحياتية، كما أن المشيعين للضحايا إذا ما سمعوا هتاف "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم" يقولون فقط سنموت مثلهم، الأمر الذي يشير إلى وجود شعور بعدم جدوى الحراك بهذا الشكل لإنهاء الانقلاب، كل ذلك بالإضافة للتوجه الأمني ساهم في تحجيم الحشود الكبيرة المجتمعة.

مرحلة "الخيارات الثورية":

لم يدخر نظام يوليو الجديد وسعا في استخدام العنف الأمني مع معارضيه، فتعامل بقسوة غير معهودة في تاريخ مصر الحديث، وانتقل إلى تجاوزه لخطوط حمراء عديدة سواء على المستوى السياسي والأخطر منه الاجتماعي، فبخلاف شحنه الدائم لمناصريه ضد المخالفين له، مع ما قد يحدثه ذلك من شرخ وهدم للاستقرار الأهلي، سعى للتنكيل بالمعارضين بدءا من اعتقال الأحداث والبنات، مرورا بتعذيبهن، وانتهاء بالاغتصاب، وجراح الأعراض لا تندمل على تعاقب السنين ومقابلتها بالعنف دوما مفهومة، حتى وإن لم يقبلها البعض، أضف لذلك ما فعله النظام الجديد من تكميم الأفواه بشكل غير مسبوق، وقمع التظاهرات -أحد أهم منافذ التنفيس عن الغضب- وبالمقابل إتاحة الفرصة لخطاب إعلامي يحشد ويهاجم ويلوي الحقائق، ثم هناك التعذيب الوحشي بالسجون، والاختفاء القسري، وقطع منافذ الدخول المادية بالفصل التعسفي من العمل، ووضع جمهور المعارضين في دائرة الاشتباه والمطاردة، أمام كل ذلك البطش والقهر وعدم وجود منافذ للتعبير، لم يبق سوى التعبير العنيف.

أثناء اعتصام رابعة أكد المرشد العام لجماعة الإخوان على أحد أهم الركائز الفكرية والتنظيمية للجماعة بقوله: "سلميتنا أقوى من الرصاص"، ومع ما قدمته السلطة من بطش بالمقابل، تزعزعت الركيزة التي ناضلت الجماعة لأجلها أثناء محنة دولة يوليو الأولى، وانتقلنا لما سمي بالسلمية المبدعة، وأخيرا "الخيارات الثورية المفتوحة"، وبدا أثناء الخلاف الداخلي الأخير بالجماعة أن المقصود بتلك الخيارات، أنه لا سلمية مقابل القتل والانتهاكات.

في يناير من هذا العام خرجت حركة العقاب الثوري، ومن قبلها في الذكرى الأولى لفض رابعة 14 آب/ أغسطس 2014 حركة المقاومة الشعبية، وكلاهما يتبنى العنف ضد السلطة بوضوح، ويتم الإعلان عن العمليات التي تتم من قبل أي منهما، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا أن العنف قد يكون مفيدا للمعارضة على المدى القصير، وفي دوائر محدودة، لكن أثره على المدى الأبعد سيكون كارثيا للجميع، لمستخدمه وللتنظيمات الحاضنة، وللوطن ككل، فقط المستفيد من العنف، النظم المستبدة التي تقتات عليه، ووجوده أحد أهم مبررات بقائها، وهي تبغي وجود عنف تقدر على تحجيمه، لتظل ممسكة بأدوات السيطرة والحشد، سواء لأجهزتها الأمنية أو أنصارها.
يتبع...
0
التعليقات (0)