قالت لي: "الرجل العادي لا يستطيع العيش مع
المرأة البُركان"..
نعم، الرجل العادي، صاحب التفكير المتسلسل، المطور لذاته فقط والمنطوي على نفسه والذي لا يتقبل غيره ومحيطه صغير وأفقه ضيق لن يستطيع التعايش مع المرأة الخلاقة، المتجددة، المُبدعة، العاملة، المنتجة..
ستجد عندها المرأة فجوة كبيرة بينه وبينها، ستجد صعوبة في التوافق معه والاتساق والاتفاق، ستبذل جهدا كبيرا في إيصال ما لديها له وجهدا أكبر في إقناعه به، لأنه يضع العديد من الحواجز بينهما في التفكير، ولأن الطبع يغلب التطبّع.
عندما تكون المرأة نشيطة.. مكوكا.. فراشة لا تحدها حدود ويأتي من يتقدم لخطبتها ليقول لها زوجك ثم أولادك فقط، علمك وعملك وجهدك كله كرسيه لعائلتك. وإن كان لديها وقت لتنتج خارج البيت فمرفوض تماما!
هي من تؤمن أن غاية وجودها الاستخلاف ويكون بعدة أوجه، وتعرف حق المعرفة أن لديها من الطاقة والهمة ما يكفي لبيت ويزيد وأن مجتمعها بحاجة لها كما أسرتها وأنها لا ترغب بكتم علم، وتعلم أيضا أنها تستطيع أن توفّق بين العديد من الأمور..
وهو يقول لها من الاستحالة ذلك، ويضيف أن عقل المرأة وقدراتها محدودة، ويحاول قدر الإمكان أن يقلل من شأنها ومن مقدراتها وأن يزرع في داخلها الخوف، علما بأنها لا تعرف الخوف طوال حياتها، كانت ولا زالت مقبلة غير مدبرة، تستكشف، تتعرف، تتلمس الطريق نحو غاياتها.
هو يحاول أن يتسلل الخوف منه إليها. أن يقنعها بأنها للبيت، للطبخ، للأطفال فقط. حتى إن كانت تحمل شهادة الدكتوراه وكان لها تاريخ حافل من الإنجازات التي يشار لها بالبنان، فطالما تزوجت أو حتى ارتبطت بعقد مع شريك فعليها أن تجلس في البيت..
هو يبحث عن دكتورة، مهندسة، مخرجة ليتباهى بها بين الناس وبمكانتها العلمية. لكنها مرتبة علمية مع وقف التنفيذ. للمباهاة فقط، لتحقيق شيء بداخله فقط.. وهي؟
من أي منطلق خرجت هذه الأفكار؟ وهل نحن في مجتمع أو في حقبة متأخرة؟ أم أن عقله رجعيّ؟ أم أنه يهاب أن تتطور المرأة على حسابه؟ ومن قال إنه على حسابه؟ لم لا يفكر أن نجاحه من نجاحها وتطوره من تطورها.
لا أقول أن تخرج ويكون خيرها وعملها لخارج بيتها وتهمل زوجها وأولادها، فهذه المرأة تعلم علم اليقين أن أسرتها نواة لبناء للمجتمع وتعلم أيضا أن هناك أولويات زوج، أولاد، أهل.. وغيرها الكثير.
ولكنها تعرف قدراتها وتعلم جيدا أنها تستطيع بذل الكثير لأحلامها وطموحاتها، لتحقيق رسالتها في الحياة.
ما المانع إن كانت ترغب في التقديم للمجتمع؟ لم يتم احتكارها؟ لم يتم ربطها في المنزل لتنتظر عودته من العمل؟ وإن لم تنجب أطفالا؟ أستبقى كذلك طوال حياتها؟ وإن أنجبت وكبر أطفالها وأصبحوا في المدارس وأضحى لديها ساعات تتفرغ بهم. لم لا تنتج فيهم وتحقق ذاتها؟
المرأة البركان التي لا تقبل الروتين، كالنحلة تتنقل من مكان لمكان وفي كل مكان لها أثر، لها بصمة، لها وقع، لها كلمة، لها رأي وفكرة. تبحث، تسعى، تقرأ، وتتطور.
هو يريدها بلا لسان. تقول نعم على كل شيء. تنفذ ولا تناقش. ترعاه وصغاره فقط. وهي؟ أين هي من كل هذا؟ ألا يكون لها وقتها الخاص.. مساحتها الخاصة.. شيء لها.. نعم الأم مضحية معطاءة لكن لحدود، لأن التضحية فوق الحد تصبح استنزافا، وحتى تستطيع أن تعطي يجب أن تستمد. ونجاحها يعطيها من الطاقة ما يكفيها ويزيد.
طالما تريد أن تُبقيها في المنزل لم تبحث عن متميزة؟ ألتقيّدها؟
لم تفتح لها المجال والوقت الكافي لتنخرط في مجتمع "النساء" وقصصهم الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ بقاؤها في بيتها وفي بيئة النسوة سيجعلها ترجع للخلف وسيغيرها للأسوأ..
إن كل مميزة تم حصرها وقصقصة أجنحتها فلمن سيُترك المجتمع؟ إن كل مبدعة خلاقة تم إسكاتها وتوقيفها إلامَ سنصل؟
دعها تمارس ما تحب، ما ترغب به طالما أن ناتجه إيجابي.. أطلق جناحيها لتعود لك محمّلة بما تفخر به أنت وهي.
دعها تقاتل من أجل حلمها وشغفها وتزرع الإقبال في أولادها وتكوّن عائلة خلّاقة مثلها وأفضل. دعها!