هنا الخرابة

يجلس فرغلي المؤيد للانقلاب مرتديا بيجامته الممزقة في عشته الصغيرة داخل خرابة ينعق على أركانها البوم؛ وتحيط به أكوام القمامة من كل جانب، وتتصاعد من حوله الرائحة العفنة، ويتعالى قريبا منه أزيز أسراب من الذباب ونقيق الضفادع في المياه الراكدة الآسنة من حوله.

يمسك بطبق من الفشار ويشاهد على الشاشة مشاهد من حفل ملكات الجمال، تتصاعد منه الموسيقى الحالمة وتتخلله فواصل من إعلانات لمجوهرات باهظة الثمن، تلتمع فيها قطع الماس، ثم يليها إعلان عن فيلات فاخرة بالتقسيط وبدون مقدم، يظهر فيه مشهد لحمام سباحة وممشى يكسوه اللون الأخضر على جانبيه وأسرة مرتبة الثياب تقوم بالشواء ويتبادل أفرادها الابتسامات، فيسرع فرغلي ليسجل رقم خدمة العملاء الذي يظهر على الشاشة ليستعلم عن مساحات الفيلات وأقساطها ومواعيد السداد.
 
تبدو علامات السعادة على وجه فرغلي، بينما تتململ زوجته مهجة التي تنتظر موعد برنامج "الأوساز" أحمد موسى المسائي الذي تحرص على مشاهدته يوميا؛ بعد أن شاهدت صورة للأوساز أحمد موسى منهمكا في مناقشة سياسية عميقة مع شاويش الانقلاب. 
 
يخبرها فرغلي أن لديهما متسعا من الوقت قبل برنامج (هنا الخرابة)، وينهمك الاثنان في مناقشة مساحات الفيلات وقربها من (العاسمة الجديدة)، ويقع اختيارهما على أحد النماذج التي عرضها الإعلان، ثم تسأله مهجة كيف سيدفع الأقساط، فيجيبها فرغلي في ثقة: من أرباح شهادات "كناة السويس". 
 
يستعيد الاثنان مشاهد حفل افتتاح ترعة أم أنور، والتي حضرها الرئيس الفرنسي وتتذكر مهجة في فخر كيف بدل شاويش الانقلاب ثيابه مرتين، فيميل فرغلي برأسه مبتسما ابتسامة خفيفة ويرد عليها بلهجة العالم ببواطن الأمور وبمنطق تحليلي تعلمه من حلقات "الأوساز" أحمد موسى، إن تبديل الشاويش لثيابه هي رسالة قوية يرسلها للعالم مفادها أن مصر تغيرت وأصبحت دولة أقوى مما كانت وأنه لا أحد يملي على مصر إرادتها، فتومئ مهجة برأسها متمتمة "تحيا ماسر".
 
ثم تشهق عندما تتذكر أن برنامج (هنا الخرابة) قد بدأ بالفعل وهما منهمكان في مناقشتهما السياسية العميقة، فيسرع الزوج إلى الريموت كنترول داعيا الله ألا يكون قد فاته الكثير ولحسن حظه يجد "الأوساز" أحمد موسى يتحدث بفخر عن روسيا (اللي ما بتهزرش) ثم يتقمص نبرة فريد شوقي ليستطرد قائلا "آه"، ويعرض فيديو للطائرات الروسية وهي تضرب أهدافا سورية. 
 
يتدلى فك فرغلي السفلي انبهارا بالمشهد، وتشهق مهجة ويجد الاثنان نفسيهما فجأة يرددان "تحيا ماسر تحيا ماسر".

وينهمكان في وصلة شماتة في السوريين الذين لم يعرفوا قيمة الجيش وثاروا على بشار الأسد.
 
في اليوم التالي يدرك فرغلي أن المشهد من لعبة من ألعاب الفيديو ويعتذر "الأوساز" موسى ويقول فرغلي لنفسه، جل من لا يسهو، يستغل فرغلي انشغال مهجة في إعداد العشاء ليقلب القنوات ليستمع قليلا للتحليلات السياسية العميقة لـ"الأوساز" إبراهيم عيسى، فيراه يصرخ ويكاد يقفز من مقعده صارخا "بتطعنوا الإسرائيليين ليهه؟".

يجز فرغلي على أسنانه غضبا من هؤلاء الفلسطينيين، الذين يطعنون الإسرائيليين المسالمين ولحظات وينسى الأمر برمته بعد أن تتصاعد إلى أنفه رائحة العشاء الساخن الممتزج بروائح المياه العطنة المتصاعدة من برك الصرف الصحي في الخرابة والتي اعتادتها أنفه.
 
فرغلي كما ترى مواطن صالح، استجاب لدعوة جبهة الإنقاذ في 30 يونيو للنزول لميدان التحرير والتظاهر ضد الرئيس مرسي.
 
فرغلي لديه رؤية سياسية عميقة ومواطن إيجابي شارك في مهزلة انتخابات العسكر ووقف يشجع مهجة وهي ترقص أمام اللجنة، وسينزل ليشارك في انتخابات برلمان العسكر وسيشارك مهجة الرقص هذه المرة. 
 
فرغلي سعيد جدا بالتقدم الذي حققته "ماسر" في السنتين الماضيتين وكاد يبكي من فرط الوطنية عندما علم بأن الجيش سيوفر طائرات هليكوبتر كتاكسي جوي، وقرر في قرارة نفسه أنه سيكون أول من يستخدم التاكسي الجوي ليصل إلى موقع الفيلا التي سيشتريها من أرباحه من شهادات "كناة السويس" التي دفع فيها كل مدخراته وباع مصوغات زوجته والتي كان ينوي دفعها مقدما لشقة في الإسكان المتوسط.

الأسرة سعيدة جدا برغم الروائح من حولها وبرغم أسراب الذباب ولا يضايقها صوت البوم، ويتبادل الاثنان الابتسامات وهما يرددان "تحيا ماسر" كل ثلاث دقائق، بينما ينظر فرغلي إلى هاتفه الذكي ليطالع الأخبار، فيجد خبرا عن انخفاض أرباح قناة السويس 47.9 مليون دولار عن العام الماضي، فيصيبه الوجوم ويتوقف عن المضغ.