كتاب عربي 21

جعفرا داموس (1)

جعفر عباس
1300x600
1300x600
قررت طرح نفسي في السوق، كدجال عصري تكنولوجي، مجاراة لموضة الإفك التي تسود مع اقتراب مؤخرة كل سنة غريغورية (وإن شئت فقل ميلادية)، حيث يتنطع بعض الأفاقين، للتكهن بمجريات الأمور مع بروز رأس السنة الجديدة من رحم الغيب، ليقولوا كلاماً من شاكلة "عمرك طويل، أجلك قصير"، الذي قالته لي قارئة طالع غجرية في بواكير صباي، وحسبت أمي ذلك بشارة فأعطت الغجرية مكافأة إضافية.

واكتشفت أنني جاهل وأمي وغير مواكب لأي شيء، لأنني اطلعت لأول مرة، على "تنبؤات" امرأة اسمها ماغي فرح على مدى عدة أعوام انصرمت، ثم كتبت اسمها في محرك البحث غوغل فإذا بها موجودة في آلاف الصفحات وعشرات المواقع، وهكذا اكتشفت وجود مواقع متخصصة في التنجيم وقراءة الطالع والنازل، وكنت في نهاية كل عام انتظر تنبؤات شخص يسمى الألوسي، ويسبق اسمه لقب دكتور، ولم أسمع من قبل عن وجود جامعة أو روضة في أي بقعة في العالم، تعطي الدرجات فوق الجامعية في التخريف والشعوذة، ولكنني سمعت أنه كان يملك محلا لقراءة الطالع في بغداد، وكان معظم زبائنه من النساء، وفجأة صار يتنبأ بأوضاع الأمور في فنزويلا وكمبوديا وكندا، وكان قد تكهن في مطلع عام 2003 بأن نظام صدام حسين سيعقد سلاما دائما مع الولايات المتحدة، وبعدها بنحو شهرين كانت القوات الأمريكية قد دخلت بغداد وكان ما كان من أمر القبض على صدام حسين وإعدامه، وربما كان الألوسي يقصد أن الموت يعني السلام والسلامة من مشاغل الدنيا.

وكنت أحرص على متابعة خطرفات الألوسي من باب التسلية، لأنها لا تخلو من "الاستهبال"، الذي يميز تكهنات أكبر مستهبل في التاريخ "نوستراداموس"، فهو ذكي أحيانا بحيث يقول كلاما من شاكلة: سيتعرض زعيم معروف لاسهال حاد، وسيخسر الحزب السمبوكسي بالبشاميل الانتخابات في آيسلندا، بينما يتعرض زعيم غربي لمحاولة اغتيال..

وإن أنس لن أنسى تكهنات عادل عبد القادر "أستاذ " الإحصاء والرياضيات في كلية التجارة بجامعة القاهرة، قبل أعوام قليلة، وإذا كان استاذ جامعي، يستطيع ممارسة الخطرفة ويجد من ينشرها له، فما البأس في أن أجاريه بل وأتفوق عليه في مجال التلفيق، وهكذا قررت أن أحترف التكهنات وقراءة الطالع، بل ربما أغير أسمي إلى جعفرا داموس، أسوة بكبير دجالي العالم نوسترا داموس الذي عاش في القرن السادس عشر وخلف كتاباً ضخماً يتألف من 942 مقطوعة شعرية يتألف كل منها من أربعة أبيات كلها "خرابيط" وطلاسم فصار له حواريون يزعمون أنه، أي الكتاب، يحوي تكهنات عن مصير البشرية عبر القرون

وكي لا تحكموا علي بالعته والخرف المبكر، دعونا نستعرض سوياً تكهنات الأستاذ الجامعي آنف الذكر،
والذي درج على إطلاق تكهناته مستنداً إلى ما أسماه نظرية الأكواد الرقمية، وذلك بهدف إضفاء طابع علمي على تلك التكهنات (أكواد جمع تكسير لكلمة "كود" الإنجليزية التي تعني "شيفرة")، وكان من "إشراقات" الأستاذ عادل، أن نظريته تلك أعطته دليلاً قاطعاً على أن صدام حسين حي يرزق، وأن الشخص الذي تم إعدامه في اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك، الموافق 30 ديسمبر من عام 2006 شبيه له!

طب ليه يا أستاذ؟ لماذا لم تعدم الحكومة العراقية صدام الأصلي؟ من فرط حبها له؟  أنها ترى فيه أمل وخلاص الشعب العراقي من الدمار والفوضى الشاملة؟  أم لأن الحكومة العراقية كانت حنينة وشفوقة ولا تحب سفك الدماء؟ طيب كيف تكون شفوقة ورحيمة وتعدم شخصاً (غير صدام) بلا جريرة لمجرد أنه يشبه صدام؟ 

والذي نعرفه ويعرفه التاريخ هو أن الجماعة لم يصبروا على صدام، واستخسروا أن يشهد نهاية عام 2006 ودخول 2007 فقتلوه في الثلاثين من ديسمبر من عام 2006،  وهم رأوا أن في إعدامه في العيد الذي يتم فيه ذبح الخراف، إهانة له ونكاية به وبأتباعه ثم تقول لنا نظرية الأكواد الرقمية إنه حي وأن من رأيناه بأعيننا يتدلى من حبل المشنقة هو شبيه له يسمى "أبو شامة"!!! ليس حياً فقط، بل في مكان آمن بعيد عن الحكومة العراقية "بعد أن نجح المجاهدون العرب في تحريره".

 ويكرر الأستاذ الجامعي مقولات سابقة له بأن إسرائيل ستختفي من الوجود قبل 15 مايو من عام 2018!  هانت يا جماعة كلها 3 سنوات، وننعتق من الصداع المسمى بالقضية الفلسطينية. و"ننوم قفا" كما نقول في السودان، عندما يكون الأمر سهلاً ومضموناً وإيجابي النتائج، ويعني أن عليك أن تتمدد على ظهرك "قفاك" في سريرك، وأنت واثق بأن الرياح ستجري بما تشتهيه سفنك.

بلا فتح بلا حماس بلا وجع رأس، فالحسم سيكون على يد "محمد"، وهو شاب مصري - بالتحديد من صعيد مصر - من مواليد عام 1981، وهو – حسب النظرية الكودية – من سيقود المعركة لتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل.

وسأواصل الأسبوع المقبل بإذن المولى، محاولاتي لإقناعكم بقبولي كجعفرا داموس، يأتيكم بتكهنات طازجة من الفرن، بعد أن اكتشفت ان المسألة "سهلة".

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي" عربي21"
0
التعليقات (0)