كتب عبد الرحمن الراشد : نُسب لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قوله عن جماعة
الإخوان المسلمين إنها "غامضة ومتكتمة". وهاتان تهمتان لا تكفيان لحظر الجماعة ولا معاقبة المنتسبين إليها. ولو صح أن الحكومة البريطانية تنظر بتشكك واشتباه في نشاطات "الإخوان"؛ فإنها ستكون رسالة مضرة بسمعة الجماعة، بعد أن كانت تحظى بقيمة خاصة عند عموم البريطانيين المهتمين بشؤون الشرق الأوسط، وكانت تدعي أنها الوجه الحسن للمسلمين في أنحاء العالم، وتستحق التأييد.
وليس فقط رأي الحكومة البريطانية أو رئيس الوزراء، وراء تدني سمعة الجماعة الإسلامية الأشهر في الغرب، بل سببه انخراط "الإخوان" في مواقف سياسية معادية للقيم الغربية، مثل موقفهم ضد الحريات والدفاع عن استخدام العنف، كما يحدث في مصر اليوم. ولا ننسى أن الإخوان عاشوا فترة يحظون بشيء من التفهم والتأييد في أوساط المنظمات الحقوقية الغربية، ومجتمع المثقفين الغربيين المهتمين، عندما كانت قضايا المنطقة محدودة، تنسجم فيها مواقف الإخوان مع عموم الشارع العربي، مثل فلسطين والعراق. لكن الثورات أفرزت وواجهت الإخوان بالأسئلة الصعبة، مثل حرية التعبير، واستقلالية المؤسسات، وليبرالية المجتمع. في مصر، والأردن، وبالطبع في غزة، وحتى في تونس، كانت مواقف هذه الجماعة مقاربة للأنظمة الشمولية. تؤمن فقط بالحرية المتوافقة مع أفكارها. ولقد لجأ الإخوان إلى تبني تسويق استراتيجية الجماعة المقارنة بينها وبين التنظيمات الإسلامية الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش"، وهذا يضعها في مكانة جيدة في أعين الغرب. لكن الإخوان كحركة "غامضة ومتكتمة" كما وصفها كاميرون قد لا تقل خطرا؛ لأنها التي تطرح المشروع السياسي للدولة الدينية، التي تقوم على رفض غيرها، من المسلمين وغيرهم.
الغرب اليوم يعي الفارق بين التدين والتطرف، بين أن يكون المرء مسلما ملتزما، وبين أن يكون إرهابيا. وإن دعم حق المسلمين في أداء فروضهم الدينية، وتعليم أطفالهم الإسلام، لا خلاف عليه، لأنها حقوق دستورية في معظم أنظمة الغرب. أما جعل الدين مشروعا سياسيا تصل من خلاله جماعة ما للحكم، فلم يعد يقتنع به كثير من المفكرين الغربيين، بمن فيهم الأكثر ليبرالية. استخدام الدين، المسيحي أو الإسلامي أو الهندوسي، عمل خطير ويفضي إلى نظم فاشية تحكم باسم المقدسات من أجل البقاء وإقصاء غيرها.
لكن ينبغي القول، إنه حتى لو اقتنعت الحكومة البريطانية بأن "الإخوان" جماعة فكرية خطيرة، فإنها، على الأرجح، لن تمنعها، أو تضطهد أفرادها، فالقانون لا يحظر الأفكار بل ارتكاب العنف أو التهديد به.
(عن صحيفة الشرق الأوسط ـ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2015)