أكثر المدن شهرة واستفادة من الصراعات العربية والإسلامية، هي جنيف، فكل الخلافات التي تعصف بالعالم العربي، تتم تسويتها في جنيف.
ربما اكتسبت جنيف، هذه السمة، لكونها اشتهرت بالحياد السياسي، لكن في كل الحالات لا يجد العرب مكانا لتسوية أي خلافات عربية- عربية، أو عربية- دولية، سوى جنيف.
فيها عدة منافع ، سياحة وسياسة، سفر ومطر، واستمطار للحلول عبر أوروبا، هذا فوق الأرصدة العربية الكبيرة في خزائن المدينة السرية.
لماذا لم ينجح العرب والمسلمون، في تكريس مدينة عربية أو إسلامية واحدة، باعتبارها قادرة دوما على أن تكون محطة للفرقاء من اتجاهات مختلفة؟!.
هذا يعبر من جهة أخرى، عن حجم الكراهية والشكوك، بين مكونات المنطقة، وعدم رغبة أي طرف بمنح أي مدينة عربية أو إسلامية هذه المكانة، حتى لا يستفيد ضمنيا النظام السياسي في تلك المدينة من تقديم ذاته، باعتباره جامعا مشتركا بين الجميع.
في كل الأزمات السورية واليمنية وغيرها من أزمات، يهرع العرب إلى جنيف، وبتنا أمام جنيف ومضاعفاتها، جنيف 1 ، جنيف 2، جنيف 3، ولا أحد يعرف إلى أين سوف يصل الرقم المرتبط باسم المدينة السويسرية.
اللافت للانتباه أن جنيف، باتت محطة لنوع جديد من السياحة العربية، سياحة الصراعات بين العرب، والوفود التي تسافر إلى جنيف، لا تقبل أن تنزل في الفندق ذاته، وكأنها تعبر عن النتيجة مسبقا، إذ غالبا ما ينزل الوفد المعارض، مثلا، في فندق غير الفندق الذي ينزل فيه الوفد الرسمي، أو الوفد الآخر، وكثيرا ما سمعنا قصصا عن نزلاء الفنادق يندى لها الجبين، إذ بعد المفاوضات، لابد من رفاهية وفساد وقليل من الإثم، لا يضر عنوان التفاوض، بنظر المتفاوضين، بل يخفف حدتهم وفقا لرأيهم.
جنيف، ربما أكبر محطة أمنية للأجهزة الاستخباراتية العالمية، التي باتت تستوطن في المدينة لرصد محادثات الوفود، وما يجري في غرفهم، وعبر اتصالاتهم، والمشكلة أن العرب لا يثق بعضهم ببعض، فالوفد السوري الرسمي مثلا يشك في الوفد المعارض، لكنْ كلاهما لا يشك في العين الثالثة، التي تترصد الطرفين، ولربما الإجراءات الأمنية الاحترازية التي تتخذها الوفود القادمة تشتد في وجه الأطراف الأخرى التي يفاوضونها، لا في وجه الغرف التي ينامون فيها، وتحتضن همساتهم وأسرارهم. مادام أغلب خلافات العرب يتم تصديرها إلى جنيف، وليس إلى أي عاصمة عربية، فإن هذه الخلافات مؤهلة لمزيد من التفاقم؛ لأن جنيف ليس عنوانا للسفر وحسب، بل عنوانا على عدم ثقة العرب بكل محيطهم، وبحثهم عن حل في مكان بعيد وبارد.
عن صحيفة الدستور الأردنية