جمعية الكرامة ورسائل أطباء مصر

العهر الإعلامى فى مصر متفرد ولا يمكن اللحاق به ولا إدراك قدراته الخارقة في نفاق السلطة والتطبيل لها والتبرير لأخطائها، منذ عدة شهور تبارت الصحف والفضائيات الموالية للسلطة في ذم أمناء الشرطة، والهجوم عليهم ووصمهم بكل نقيصة بعد اعتصام أمناء الشرطة بمحافظة الشرقية، وتدخلت السلطة لتهدئة أمناء الشرطة ووعدت بحل مشاكلهم وتلبية مطالبهم. اليوم تنطلق جوقة الإعلام لبث التعاطف مع أمناء الشرطة المعتدين على أطباء المطرية وتفرد مساحات كبيرة لسب الأطباء وتشويههم لمجرد أن الأطباء طالبوا بمحاسبة المعتدين وعقابهم. 

جاء انعقاد الجمعية العمومية لأطباء مصر الجمعة الماضية لطمة على جبين موالي السلطة وغلمانها، فقد فاجأتهم الحشود الحرة التي جاءت لدار الحكمة بشارع القصر العيني؛ لتعلن رفضها لبلطجة الدولة ورفضها لحماية السلطة لمجموعة بلطجية، يرتدون للأسف ملابس رسمية يطأون بها القانون بالأحذية. كل من تابع المشهد المهيب لأطباء مصر في جمعة الكرامة، شعر بنسمات الحرية تعطر الآفاق، وتعيد الروح لقلوب المصريين الذين افتقدوا تلك اللحظات الملهمة، وعاد الأطباء لصناعتها من جديد.
 
ما كان لمشهد جمعة الكرامة أن يحدث لولا إصرار السلطة على الاستهانة بالأطباء والوقوف فى مربع دولة حاتم، ساعدت السلطة بموقفها على الحشد الذاتي ليس لجموع الأطباء فقط، بل لملايين المصريين الذين تابعوا المهزلة وتضامنوا وساندوا موقف الأطباء معنويا، أو بالإعلان عن ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان من اللافت للنظر مواقف بعض المؤيدين للسلطة الذين لم يستطيعوا التبرير هذه المرة، وانضموا لموقف نقابة الأطباء رغما عنهم بعد أن صدمهم موقف السلطة وموقف وزير الصحة، الذي خرج بتصريحات مسيئة  لأطباء مصر أظهرت انحيازه للطرف المعتدي.
 
على الفور عقب نجاح الجمعية العمومية للأطباء، بدأت حملة إعلامية مكثفة من إعلام السلطة تهدف لتشويه منجزات وقرارات الجمعية العمومية للأطباء، وتصوير الأطباء أنهم يقفون ضد مصلحة الشعب رغم أن المتأمل في قرارات الجمعية يدرك الحرفية المهنية والحس الشعبي والسياسي الراقي، الذي تمت به صياغة القرارات التي قطعت الطريق على كل المزايدين بخطوات عملية واضحة، ولكن الذئاب التي تعوي لا تتوقف عن غيها ومزايدتها مهما رأت نور الشمس واضحا. 

انحازت الجمعية العمومية للأطباء للشعب المصري، ووعدته بالآتي متحدية وزراة الصحة ووزيرها الذي صوب الأطباء قذيفة في شباك مرماه، لن يستطيع الإفلات من آثارها التي أصابت السلطة والمتربصين بالأطباء. 

أولا: امتناع الأطباء بالمستشفيات العامة والمركزية والمراكز والوحدات الصحية، والمستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي والمؤسسة العلاجية، وهيئة المستشفيات، والمعاهد التعليمية، والمراكز الطبية المتخصصة، عن تقديم أي خدمة طبية أو فحوصات أو عمليات مقابل أجر، على أن يتم تقديم جميع الخدمات والفحوصات الطبية لجميع المواطنين مجانا دون تحصيل أي رسوم تحت أي مسمى، ويتم تقديم جميع الخدمات بموجب تذكرة الاستقبال المجانية، ومطالبة وزير الصحة وجميع مديري الإدارات والمستشفيات بصرف الأدوية المطلوبة بتذكرة الاستقبال المجانية، وتكليف مجلس النقابة بوضع بروتوكول لذلك، على أن يبدأ التنفيذ اعتبارا من يوم السبت الموافق 27 فبراير 2016. 

ثانيا: مطالبة جميع الأطباء بإغلاق العيادات الخاصة يوم السبت 19 مارس (بعد يوم الطبيب مباشرة)، أو جعل هذا اليوم للكشف المجاني على المواطنين.

قدم أطباء مصر نموذجا راقيا للاحتجاج السلمي ولمراعاة احتياجات الناس ومواجهة الخطاب الإعلامي للسلطة، التي حاولت تشويه الأطباء وشيطنة مطالبهم، درس الجمعية العمومية للأطباء وإدارة الحشد الكبير الغاضب، سيظل نموذجا لما نتمناه لكل النقابات المهنية في مصر، وكل الروابط والاتحادات والنقابات العمالية، توحيد المطالب ومعقوليتها، ووضع الجمهور الكبير في الحسبان، والتحلي برقي الخطاب وحسن عرض المظالم والمطالب، ومراعاة العامل الزمني، واحتواء الاستفزازت الأمنية وتفويت الفرصة لإفساد هدف التجمع، وإعلاء قيمة المهنية وتوسيع دائرة التضامن، كل هذه دروس مستفادة يجب تأملها، شكرا أطباء مصر بكم عادت روح الثورة وبدا في الأفق نور..