ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن
تنظيم الدولة في العراق والشام لم يتوقف عن عمليات ضخ
النفط الخام وبيعه للتجار الراغبين في شرائه.
وتقول مراسلة الصحيفة إريكا سولومون في تقريرها إن التطور الوحيد الذي حدث على هذه
التجارة هو أن التنظيم عرض على التجار رخصا لشراء ألف برميل نفط في كل مرة يأتون فيها إلى حقل "العمر النفطي"، وهو أمر لم يحدث من قبل أن تشن طائرات
التحالف الدولي غارات جوية ضد عصب
الاقتصاد التابع لتنظيم الدولة، خاصة حقول النفط.
وينقل التقرير عن سائق شاحنة تحدثت إليه الكاتبة عبر الإنترنت قوله: "أنت وحظك، فلو لم يقم التحالف بغارات فستحصل على ما تريد، إنها مقامرة".
وتعلق سولومون بأن الحملة التي قادها التحالف ضد منشآت النفط ضربت مالية التنظيم، وأجبرته في الأشهر الأخيرة على تخفيض رواتب موظفيه، وتقليص المساعدات للسكان المحتاجين، مستدركة بأن الأمر عندما يتعلق بالنفط فإن التنظيم مصمم على مواصلة إنتاجه.
وتشير الصحيفة إلى أن التنظيم يستخدم الفرص كلها من أجل الحصول على عائدات النفط، التي كانت تدر عليه يوميا 1.5 مليون دولار، فمن خلال العروض المغرية للتجار، إلى تقليص الحصص المخصصة لأتباعه، فإنه يحاول الحفاظ على تدفق النفط وبيعه.
ويورد التقرير نقلا عن أصحاب الشاحنات التي تنقل النفط وأصحاب المصافي البدائية، ثولهم إن الحقول الرئيسة التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا لا تزال عاملة، رغم الغارات الجوية المتكررة عليها، مشيرا إلى أن الغارات تؤثر في عملية تحميل النفط، حيث يهرب العمال والسائقون ويختبئون من القصف، أي أصبح هناك توقف لساعات طويلة.
وتنقل الكاتبة عن سائق شاحنة نفط أخرى، قوله: "الإنتاج مستمر، ولم تتغير الأسعار، والغارات مستمرة، وعندما يتم القصف يتوقف الإنتاج لفترة، وبعدها يعود العمال للعمل".
وتذكر الصحيفة أنه يتم بيع برميل النفط الخام في حقل العمر بـ 45 دولارا، أما في حقل والتنك فيباع بـ40 دولارا أمريكيا، لافتة إلى أنهما الحقلان الرئيسان في دير الزور، والأسعار أعلى من سعر البرميل في السوق العالمي؛ والسبب هو الطلب المحلي على النفط في شمال وشرق البلاد.
ويفيد التقرير، الذي نرجمته "
عربي21"، بأن التحالف ركز في بداية الحملة على المصافي البدائية والمتنقلة، إلا أن التنظيم توقف عن استخدامها، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بدأ التحالف الدولي باستهداف حقول النفط ذاتها، وقصف مئات الشاحنات التي كانت تنتظر أياما لتعبئة حاوياتها من النفط الخام.
وتلفت سولومون إلى أن التنظيم تكيف مع الغارات عندما منع الشاحنات من الوقوف بطوابير أمام المنشآت النفطية، وبدلا من ذلك فقد منح كل سائق تذكرة عليها تاريخ ووقت حضوره لاستلام طلبه، وقام التنظيم بتخزين النفط في حفر واسعة يحضر إليها أصحاب الشاحنات لملء شاحناتهم منها، لكنها عرضة لطيران التحالف الدولي.
وتورد الصحيفة نقلا عن صاحب مصفاة في بلدة ذيبان قرب حقل العمر، قوله: "عندما يأتي طيران التحالف الدولي ويقصف تلك الحفر فإنه يشعل النار فيها، ولا يمكن لتنظيم الدولة بيعها".
ويبين التقرير أن الغارات الجوية أثرت في عملية الإنتاج، حيث أصبح أبطأ، وحاول التنظيم التعويض عن خسائره من خلال منح التجار المحليين فرصة "استثمار" قصيرة الأمد، يقوم فيها التاجر بدفع ثمن ألف برميل من النفط الخام مقدما، بدلا من الانتظار أياما للحصول على كمية من النفط لا تتجاوز 70 برميلا في كل مرة.
وتوضح الكاتبة أن التاجر والتنظيم يستفيدان من العملية، فالأول يمكنه بيع النفط بكميات كبيرة، ويحصل على أرباح كبيرة في سوق غير مستقرة، أما الثاني فيحصل على الثمن مقدما بدلا من الانتظار للحصول على ثمن كميات قليلة.
وتنوه الصحيفة إلى أنه يمكن للتاجر الحصول على الكمية في ساعة لو توفرت السيارات له، وفي حال لم يقم التحالف بتوجيه ضربات جوية، مستدركة بأن التاجر يقامر بحياة السائقين الباحثين عن وظيفة، بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية.
ويذكر التقرير أنه بحسب سائقي شاحنات في دير الزور، فقد منح التنظيم رخصا لثلاثة تجار في حقل العمر، ويقولون إنهم من سكان المنطقة، وأصبحوا شركاء مع التنظيم، بعد فترة من سيطرته على حقول النفط. ويقول سائق: "يجب أن تكون قريبا من تنظيم الدولة حتى تحصل على عليها (الرخصة)، وحتى تكون مربحة لك فإنه يجب أن تكون تاجرا كبيرا، ولديك عربات كثيرة، فهؤلاء التجار يمكنهم إرسال عشر سيارات في كل مرة للحصول على النفط".
وتستدرك سولومون بأنه مع ذلك، فإن التنظيم يواجه مصاعب مالية بعد خروجه من بلدة سنجار في شمال العراق، وانسحابه من بلدة الشدادي الأسبوع الماضي، وخسر بهذا أول حقوله النفطية "الجبش" في الشدادي، ويقول السكان المحليون إنه كان ينتج ثلاثة آلاف برميل نفط في اليوم.
وتكشف الصحيفة عن أن التنظيم توقف عن منح أفراده عبوات غاز مجانية، وأوقف مساعداته للعائلات المحتاجة، وخفض رواتب العمال الإداريين، ورشد حصص الوقود الممنوحة للمستشفيات ولمحطات تنقية المياه، وحتى في العمليات العسكرية، وذلك لترشيد الاقتصاد.
وينقل التقرير عن مقاتلين قولهم إن تنظيم الدولة كان يوزع سيارات بيكب وحصص وقود جيدة لكل محور حربي، لكنه أوقف هذا كله، وكان يمنح دير الزور 60 سيارة، إلا أنه خفض العدد إلى عشر سيارات فقط، ومن خلال هذه الإجراءات يمكن للتنظيم توفير وقود بقيمة مئات آلاف الدولارات وبيعه بدلا من ذلك.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بلإشارة إلى أن قياديا عسكريا سابقا قاتل مع تنظيم الدولة في دير الزور، قبل هروبه العام الماضي، قال إن المحاور الحربية حصلت على دراجات نارية بدلا من السيارات، وأضاف: "من السهل إطلاق النار على شخص يركب دراجة، وهذا ليس قرارا أمنيا، بل هو قرار اقتصادي".