تثور حالة من الجدل جراء ما يكتب من
نقد داخل جماعة الإخوان المسلمين، بين من يراه حقا أصيلا في الجماعة بآدابه، وبين من يراه مخالفا لمنهج الجماعة، وأن على من ينتقد أن يكون نقده داخليا فقط في السر، فهل منهج جماعة الإخوان يمنع النقد المعلن أو المراجعات؟
بداية، يتفق الإخوان أن مصدر منهجهم بعد كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثوابت الشرعية، يأتي بعد هذه المصادر المتفق عليها بين الجميع، تراث حسن البنا، وأدبيات الجماعة المتفق عليها أنها تمثل المرجعية الفكرية. هذا أمر لا يختلف عليه أحد من الإخوان قدامى أو معاصرين، فماذا عن تاريخ الإخوان وأدبياتهم، ومنهجهم، من مسألة النقد المعلن، والمراجعات الجذرية للجماعة؟
ربما سيصدم الجميع من كم الحقائق العلمية والتاريخية التي سأذكرها في هذا المقال والمقالات القادمة إن شاء الله من تاريخ الإخوان والإسلاميين بوجه عام، من كم النقد الشجاع المعلن من داخل الحركة الإسلامية، والمراجعات الهائلة التي تمت.
لقد فتح حسن البنا باب النقد المعلن، سواء أكان النقد موجها لأفكار الجماعة، أم لقياداتها، وعلى رأسهم البنا نفسه، وسنجد أن تاريخ الجماعة يخلو تماما من أي تحقيق مع أي عضو بالجماعة لعلة رأي كتبه، أو نقد نشره، فمن يقرأ مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية سنة 1942م سيجد بابا فيها بعنوان: (صفحة النقد)، كانت ثابتة في المجلة، كتب فيها علامة سوريا الشيخ محمد الحامد سلسلة من المقالات ينقد فيها حسن البنا، ومحمد الغزالي، وغيرهما، وقد أرسل محمد الحامد رسالة فيها (18) ثمانية عشر نقدا لحسن البنا، فماذا كان رد فعله؟!
وقف البنا في حديث الثلاثاء علنا أمام الناس، يقرأ نقد الحامد له، ويقر بأنه يسلم له بخطئه في معظم المسائل التي أخذها عليه، لكنه يتحفظ فقط في خطأ واحد، فالحامد يرى البنا عند جلسته في الصلاة للتشهد، يهتز جسده، وهذا التصرف ليس من السنة، وهي عادة مرتبطة بالمصريين الذين يحفظون القرآن في الكتاتيب، فقال البنا: يا شيخ محمد الحامد، لقد حاولت الاستجابة لنصحك، فلا أهتز في الصلاة، وشغلت نفسي بذلك، ففقدت خشوعي في الصلاة، وعندما أخشع أهتز تلقائيا، وأنت تذكرني بمن سأل أحد الشيوخ الكبار في السن، فقال له: يا مولانا، وأنت نائم هل تكون لحيتك تحت اللحاف (الغطاء)، أم فوق اللحاف؟!! وكان الرجل ينام طوال عمره هانئا سعيدا، فلما شغل نفسه بالسؤال، قبل نومه، هل لحيتي تحت الغطاء، أم فوقه، ضاع النوم، وزاد تعبه وعنته.
وأرسل أحد الإخوان المسلمين لمجلة الإخوان سؤالا معلنا كان نصه: يا شيخ حسن نعلم أنك لا تتقاضى راتبا على عملك الدعوي، ولكننا نراك متأنقا في ثيابك، ومهتما بمظهرك، فمن أين لك هذا؟ وكان البنا مسافرا، فكتبت المجلة السؤال، وقالت: نعد السائل بأن يجيب الأستاذ البنا فور عودته من السفر، وعاد وكتب هذه الإجابة علنا:
أخي الكريم، تسألني من أين أنفق؟ كان صلى الله عليه وسلم ينفق من مال خديجة، وأنا أنفق من مال أخي خديجة (يقصد بذلك أصهاره)، ولي أخوان يقرضانني، فأمامك أحد أمرين، إما أن تنضم للأخوين فتكون الثالث، وبذلك يخف الأمر عليهما، وإما أن تسدد لهما الدين، وأكون مدينا لرجل واحد هو أنت، فإن عجزت عن الأمرين، فأمامك أمر ثالث أن تدعو الله لي أن يعينني على سداد ديني. وقد اتخذت خطة عملية لإنهاء هذا الدين، سوف أنشئ مجلة علمية أسميتها (الشهاب) أعالج بها أمرين مهمين، الأول: الضعف العلمي الذي بدأ يتسرب في صفوف الجماعة، والثاني: أن أسدد من بعض ريع المجلة ما علي من ديون. وتقبل مني تحياتي ودعواتي، أخوك: حسن البنا.
هذه صفحة من صفحات سطرها التاريخ المعاصر عن الإخوان المسلمين في قضية النقد المعلن والمراجعات السياسية والدينية، وهي قليل من كثير، نكمل صفحة أخرى منه إن شاء الله في مقالنا المقبل.
[email protected]